[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
انا اغض الطرف عن المشاهد اليمنية وخصوصا الطفولة منها. دائما اردد شعر الشاعر العراقي بدر شاكر السياب وهو يصف مشهد النازحين وكأنهم "يحملون على كواهلهم آثام كل الخاطئين".
اعرف اني سأعيش واموت وستظل تلك المشاهد المخزية قائمة في الوطن العربي. وان جيلا بعدي سيرى المشاهد ذاتها ان لم تتغير فرص الحياة والسياسة في منطقتنا العربية، واهمها اختفاء اسرائيل من الوجود.
اشعر احيانا بالحاجة إلى حرب من نوع تطهير المجتمعات من وجود حاقد لئيم عليها، بل مدمر في افكاره ومعتقداته .. الفكرة الحقود مدمرة للمجتمع مفتتة له، فكيف اذا حمل اصحابها السلاح وانخرطوا في واقع يشبههم وبين اناس من فصيل الأفكار ذاتها.
بعد كل هذه الحروب المتواصلة ودمارها المكثف في البشر والحجر، هل سنصل إلى انسان عربي جديد متجدد نظيف اليد والفكر واللسان، مؤمن بيومه الذي يبدأه على اساس انه المرحلة المقبلة من حياة مختلفة عما سبق. لست اعتقد ان هذا الأمر سيكون بعد انتفاء الحروب وانطفاء هذا الموت المجاني في بعضه، فقد دامت حرب لبنان خمس عشر سنوات وانتهت إلى اجيال بسيطة في عقولها سهلة الانقياد وراء اللاعبين بأفكارها وخصوصا في الفهم المذهبي والطائفي .. وكنا نظن ان التربية العلمانية لنظام صدام حسين ستغير واقع المجتمع العراقي وتجعله اكثر تخلصا من قيمه الموروثة فإذا به اشد تمسكا بقبليته وبعشائريته وبمفاهيمه الموروثة وخصوصا الجيل الذي راهنا جميعا عليه. وهذا الأمر من المؤكد انه سيحدث للسوريين ولبقية المجتمعات التي اعتقدنا ان الحروب سوف تطهرها من عبثية الماضي ومن موروثاته السلبية والإبقاء على الايجابيات فيها.
الحربان العالميتان اللتان مرتا على اوروبا مثلا، خلقتا نفسا ثقافيا جديدا ومحاولة لرؤية جديدة للحياة، وانطلق على اساسهما مصطلحات ومدارس فنية وثقافية ارادت محاكاة جديدة لواقع الإنسان بعدها .. لكن الأمر لم يتعد مرحلة، بل ظلت تلك التجارب غير مؤثرة بمجتمع بكامله، وانما بأفراد حاولوا ان يقولوا الحاجة إلى التغيير، فاذا بهم هم اسرى الواقع الذي عاشوه طفولة وشبابا، فيما ظلت الكلاسيكية مثلا تستهوي العقول والتجارب الشبابية.
ويوم ظن الحزب الشيوعي الروسي ان بالإمكان خلق انسان شيوعي، فأنشأوا لذلك منظمة الكومسمول التي تبدأ فيها تربية شيوعية منذ سن الثالثة من العمر، فإذا بتلك التجربة اثرت سياسيا لكنها لم تؤد إلى الإنسان المطلوب، بل ظلت فردية الإنسان وطموحه الشخصي ومعتقداته وتربيته الأساس في سلوكه العام, من هنا اخاف ان لا تغيرنا الحروب، وحتى الأطفال الذين عاشوها وهم الجيل الذي سيراهن عليه، قد لا نشهد لهم تغييرا عما سلف من افكار ومعتقدات اجتماعية وتربية وسلوك وعلاقات انسانية واخلاق وقيم .. الحكومات عادة لا تنتبه إلى التحولات المفترضة بعد الحروب، هي فقط تعمل على بناء الحجر، واعادة الثقة للاقتصاد، وترتيب البيت السياسي، واطلاق نوع من الحريات التي لم تكن متوفرة، وتعزيز الثقة بين المواطن والوطن بطريقة الإعلام والتربية المدرسية والجامعية وغيرها.
يبتعد المرء في كتابته احيانا عن النقطة المركزية التي بدأ منها، لكنه يعود دوما إلى نظرته الأساسية .. فمتى يتخلص اليمنيون ويعود اطفالهم إلى مرح الحياة التي سبقت الحرب عليهم، ومتى نرى الشرق كله يتباهى بأطفاله كي نرى فيهم رجال المستقبل الواعد وهو يؤدي دوره بلا خوف ولا قلق ولا رجفة جسم ولا حصار وجوع ..
متى يا سادة العالم المتحكم بأطفالنا ...!؟