[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” لابد من الاعتراف أن هناك آراء ومؤلفات فقهية تمتلئ بها المكتبة الإسلامية تكفر وتحرض ضد الآخر ـ سواء كانوا أتباع دين أو مذهب أوملة أو جماعة أو طريقة ـ وأن هذه الآراء والمؤلفات التي يستند إليها المتطرفون تحتاج إلى مراجعات من علماء الدين الثقات العالمين بأصول الفقه وعلوم التفسير وأسباب النزول لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ,”
ــــــــــــــــــــــــــ

انتظروا حتى امتلأ المسجد بالمصلين وصعد الإمام المنبر وبدأ في إلقاء خطبة الجمعة, التي سبق وأسقطها أحد منظريهم المتشددين وعلق إقامتها لحين عودة دولة الخلافة, وجاء اليوم أتباعه ليكفروا من يؤديها ويهدروا دمه معتبرينه من الصابئين الروافض المتعاونين مع الطواغيت, ليشرعوا في ارتكاب مجزرة أعدوا لها بليل للنيل من أهالي القرية المسالمين.
جريمة وحشية ضد الإنسانية وضد الفطرة التي خلق الله الناس عليها, راح ضحيتها أكثر من خمسمائة بين قتيل وجريح من المصلين بينهم سبعة وعشرون طفلا تتراوح أعمارهم بين الخامسة والعاشرة, جاءوا برفقة آبائهم وأجدادهم للتعود على أداء الفريضة التي يحرص عليها المسلمون ويعتبرونها عيدا أسبوعيا يجتمعون فيه للعبادة والتواصل والتآخي والتقرب إلى الله.
حوّل هؤلاء المجرمون المجردون من الرحمة والإنسانية صلاة الجمعة إلى محفل للقتل وساحة لسفك الدماء بغير ذنب ولا جريرة إلاًّ ظمأ هؤلاء الشياطين لإزهاق الأرواح وتيتيم الأطفال وترميل النساء ونشر السواد والخراب والظلام وترويع الآمنين وتحويل حياة الناس المسالمين إلى كابوس يخشون بعدها الذهاب للصلاة في المساجد التي جعلها الله مثابة للناس وأمنا.
هذا الحادث البشع الذي وقع الجمعة الماضية أبطل الحجج وأسقط الأقنعة والمبررات عن وجه الإرهاب القبيح, الذي يهدد أمتنا العربية والإسلامية بل والعالم بأسره, فبعد هذا العدد الكبير من الضحايا, لم يعد هناك مجال للتحليلات التي تلتمس الأعذار للإرهاب والإرهابيين وتعزو هذه الجرائم لأسباب اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية.
فهؤلاء الإرهابيون وجهوا بوصلتهم هذه المرة إلى مسلمين مدنيين بعد سنوات طويلة من استهداف رجال الجيش والشرطة والأقباط, لم يتورعوا هذه المرة عن قتل بني جلدتهم وأقاربهم داخل المسجد لرفضهم اعتناق أفكارهم المتطرفة, وبدعوى استنفاد المهلة التي أعطوها لأهالي القرية للاستتابة من الشرك والجاهلية بالتوقف عن إقامة الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف وموالد أولياء الله الصالحين التي تحييها الطرق الصوفية التي ينتمي إليها معظم أهالي القرية ويحرصون على إقامتها منذ مئات السنين.
سبق لهذه الجماعات المتطرفة قتل شيخ مشايخ الطرق الصوفية بسيناء بعد اختطافه وتعذيبه والتمثيل بجثته, وهو الشيخ الطاعن في السن دون رحمة أو شفقة بتهمة الكهانة وقراءة الكف, كما سبق لهم تفجير الأضرحة والمزارات الدينية بقرى ومدن شمال سيناء , ورغم ذلك تسامح أهل القرية المنكوبة مع القتلة ـ سواء خوفا أو ورعاً ـ وقرروا التوقف عن إقامة حلقات الذكر وأغلقوا أماكن خلواتهم اتقاء لبطش الإرهابيين, ولم يكن ذلك كافيا ليعفو عنهم أمراء التنظيم أو يتركوهم إلى حال سبيلهم, فاتهموهم بالتعاون مع قوات الجيش والشرطة و أفتوا بإهدار دمهم وتدمير مسجدهم لأنه أقيم بالقرب من ضريح.
هؤلاء القتلة الظلاميون تملكت منهم شهوة القتل , ولا مجال للتعاطف معهم بعد اليوم, فحجة مقاومة الطواغيت سقطت بعد استحلالهم دماء الأطفال والشيوخ, ومبرر غياب الديمقراطية أصبح مسارا للسخرية, فلم يقتل هؤلاء يوما من أجل إقامة الديمقراطية ولا اعتراضا على غياب التعددية وتداول السلطة , بل إنهم ومنظريهم يكفرون الأحزاب ويلعنون الغرب وديمقراطيته , بل حرضوا أتباعهم لتوجيه إجرامهم ضد أوروبا ـ مهد الديمقراطية ـ فدهسوا الأوروبيين في نيس ولندن وبرلين , هذه الدول التي فتحت لهم أبوابها ومنحتهم فرص العمل والدراسة ومنحتهم الجنسية , لكن سرعان ما انقلبوا عليها وكفروها وهددوا أمنها واستقرارها .
أما مقولة إنهم ضحية الفقر والأوضاع الاجتماعية الصعبة, فيدحضها وجود أتباع لهذه التنظيمات في بعض دول الخليج الغنية الذين استهدفوا رجال الأمن وفجروا المساجد وقتلوا المصلين, ولم يسلم من إجرامهم حتى المسجد الحرام عندما احتلت جماعة الإرهابي جهيمان العتيبي الحرم المكي الشريف واتخذوا آلاف المصلين رهائن لمدة أسبوعين في الـ 20 من نوفمبر عام 1979م. بل إن العديد من زعماء وقادة هذه الجماعات المتطرفة ينتمون لعائلات وأسر ميسورة وكانوا يعيشون حياة مرفهة ولكنهم ضحوا بالراحة والرفاهية, بعدما ابتليوا بالأفكار التكفيرية المتطرفة التي جعلتهم ينقلبون على أهلهم وأوطانهم ويرتكبون أبشع الجرائم باسم الدين.
لابد من الاعتراف أن هناك آراء ومؤلفات فقهية تمتلئ بها المكتبة الإسلامية تكفر وتحرض ضد الآخر ـ سواء كانوا أتباع دين أو مذهب أوملة أو جماعة أو طريقة ـ وأن هذه الآراء والمؤلفات التي يستند إليها المتطرفون تحتاج إلى مراجعات من علماء الدين الثقات العالمين بأصول الفقه وعلوم التفسير وأسباب النزول لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة , خصوصا ما يتعلق منها بعلاقة المسلم بالمختلفين معه في العقيدة , وقضايا الجهاد والخلافة والولاية والتكفير و تطبيق الحدود والاجتهاد.
هناك حاجة ماسة لإعادة النظر في الدور الذي تقوم به مؤسسات التعليم الديني في دولنا العربية والإسلامية, ودراسة أسباب فشل تعزيز الوسطية ومنع الغلو والتشدد الديني وعدم نشر ثقافة الاعتدال وغرسها في نفوس الأجيال الجديدة, هذه المؤسسات في حاجة للإصلاح الفكري وتنقية مناهجها من كل مما من شأنه التحريض على الكراهية والعنف واستحداث مناهج مستنيرة تحصن أبناءنا ضد التطرف والأفكار المنحرفة وتشجعهم على الانفتاح على الثقافات والعلوم الحديثة وتعرفهم كيفية التعايش مع الآخر على قاعدة إنسانية مجردة دون النظر لدينه أو مذهبه أو لونه أو لغته أو مركزه الاجتماعي.
لابد أن نوازن في مدارسنا بين المناهج التعليمية والأنشطة الثقافية والرياضية ونشجع الطلبة على الابتكار وممارسة الهوايات بجانب التحصيل العلمي, وأن ينتبه معلمو التربية الإسلامية للمفردات والكلمات والخطاب المستخدم داخل الفصل, لأن الطالب في هذه السن ـ سنين التكوين ـ يكوّن قناعاته وأفكاره من خلال ما يتلقاه ممن يعتبرهم قدوة ومثالا يحتذى به في حياته وهم الآباء والمعلمون ونجوم المجتمع الذين لابد أن يحرصوا أن يكونوا قدوة صالحة.