تحدثنا في اللقاء السابق عن قول الله تعالى ( والذين هم عن اللغو معرضون ) وقد نبهنا المولى جل وعلا على أن الإعراض عن اللغو من صفات المؤمنين هو لا يقل أهمية عن الخشوع في الصلاة حث قال علماء اللغة أن الواو حرف عطف تفيد المعية وعلمنا أن الإنسان معرض للهلاك بسبب لسانه فقديما قالوا أن معظم الضرر من مستصغر الشرر ولأهمية الإعراض عن اللغو فقد ذكره الله تعالى بين الخشوع في الصلاة وبين الأمر بفعل الزكاة وقد قدر الله لنا أن يكون لقاؤنا اليوم مع ( والذين هم للزكاة فاعلون )
أيها القارئ الكريم لقد عرَّف علماء الفقه الإسلامي الزكاة لغة: النماء والزيادة يقال: زكا الزرع إذا نما وزاد وشرعا: التعبد لله تعالى بإخراج جزء واجب شرعا في مال معين لطائفة أوجهة مخصوصة
وحكمها: الوجوب وهي معلومة من الدين بالضرورة وأنها أحد أركان الإسلام الخمس وأهم أركان الإسلام بعد الصلاة ومن جحد وجوبها ممن عاش بين المسملين فإنه كافر لأنه مكذب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين سواء أخرجها أم لم يخرجها ومن أقر بوجوبها وتهاون في إخراجها وبخل بها فأصح أقوال العلماء: أنه فاسق وليس بكافر إن مقام الزكاة في الإسلام عظيم فهي قرينة الصلاة في كل آيات القرآن الكريم يقول ابن عباس رضي الله عنه نظرت في كتاب الله فوجدت ثلاث آيات مقترنات بثلاث لا تصح إحداهما بدون الأخرى قال تعالى ( وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة ) المزمل 20 فمن أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة فلا صلاة له وقال تعالى في سورة آل عمران 32 ( قل أطيعوا الله والرسول ) فمن أطاع الله ولم يطع الرسول فلا طاعة له وقال تعالى ( أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير ) لقمان 14 فمن شكر لله ولم يشكر لوالديه فلا شكر له وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بها اهتماما بالغا فهي لا تقل أهمية عن بقية الأركان وقد كان صلى الله عليه وسلم يبعث السعاة لقبضها من الأغنياء وجبايتها لإيصالها إلى مستحقيها وتبرئة ذمم الأغنياء من مسئوليتها وسار على ذلك خلفاؤه الراشدون وعندما هم بعض القبائل بمنع الزكاة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم قاتلهم الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه حتى أخضعهم لحكم الله وقال لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة
والحكمة من مشروعية الزكاة أنها تطهير النفس البشرية من رذيلة البخل والشره والطمع ومواساة الفقراء وسد حاجات المعوزين والبؤساء والمحرومين وإقامة المصالح العامة التي تتوقف عليها حياة الأمة وسعادتها والتحديد من تضخم الأموال عند الأغنياء وبأيدي التجار والمحترفين كيلا تحصر الأموال في طائفة محدودة أو تكون دولة بين الأغنياء كما أن الزكاة طهارة للعبد وتزكية لنفسه قال تعالى: ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) سورة التوبة 103 أما ما أعده الله لمانعي الزكاة فقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي روي في سنن أبي داود فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعله الله يوم القيامة يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره حتى يقضي الله تعالى بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وما من صاحب غنم لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت فيبطح لها بقاع قرقر فتنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها ليس فيها عقصاء ولا جلحاء كلما مضت أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وما من صاحب إبل لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت فيبطح لها بقاع قرقر فتطؤه بأخفافها كلما مضت عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله تعالى بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول:( من كان له مال لم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطلبه حتى يمكنه يقول: أنا كنزك ) مسند الشافعي
والقرع بفتحتين: قرع الرأس والحية الأقرع إنما يسقط شعر رأسه لجمعه السم فيه كما زعموا والشجاع الأقرع الذي لا شعر على رأسه لكثرة سمه وطول عمره وقيل: سمي أقرع لأنه يقرى السم ويجمعه في رأسه حتى تتمعط (تتطاير) منه فروة رأسه والزبيتان: النكتتان السوداوان فوق عينيه وهو أوحش ما يكون من الحيات وأخبثه وقوله «يطلبه حتى يمكنه أي يسعى وراءه حتى يدركه فيقول له أنا كنزك ) أي أنا عملك وجمعك أو أنا مالك الذي جمعته لأن الكنز يصلح أن يكون مصدر كنز المال أي جمعه وأن يكون المال المكنوز وقد تهدد الله كانزي الأموال ومكدسيها بغير إخراج حق الفقراء منها بأقسى ضروب التهديد قال تعالى: ( ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير ) آل عمران 180 وقال تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنت تكنزون) التوبة 34 ـ35 وذلك لأن مرض الشح لا يقتصر أذاه على صاحبه بل يتعداه إلى المجتمع فيصيبه بأخبث الأمراض وأفتك العلل ولو أن الأغنياء أدوا حقوق الفقراء وشملوهم بعطفهم لضوعفت أموالهم وأرضوا ربهم وإخوانهم وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نقص مال من صدقة ولا عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله بها عزا فاعفوا يعزكم الله ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر ) وعلم أخي القارئ الكريم أن المال الذي يخرج منه الحق الشرعي لا يلحقه آفة بل يحصل له النماء ومن ثم سميت الزكاة لأن المال ينمو بها ويحصل فيه البركة
هذا وإلى اللقاء في المقال القادم بإذن الله تعالى مع من حُكم لهم بالفلاح
( والذين هم لفروجهم حافظون)
اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن الكريم الذي رفعت مكانه وأيدت سلطانه ووضحت برهانه .....آمين
والله الموفق لما فيه الخير والرشاد

إبراهيم عبد العزيز محمد فرج