8 ـ يناقش المؤلف إشكالية المفارقة بين قيم الأخلاق في الإسلام وواقع المجتمعات الإسلامية ،ويتوقف للتذكير بهذه القيم في حسن التعامل مع الاخرين ،وخفض الجناح وعدم السخرية من بعضنا ،والمجادلة بالتي هي أحسن حتى مع أهل الكتاب ويستعرض هذه القيم التي ترسم قواعد السلوك للفرد والأسرة والمجتمع ، وتحدد طبيعة العلاقة بين المسلم وربه والكون الذي يعيش فيه كما وردت في سورة الإسراء ولقمان ،ثم يعرج إلى أحاديث الرسول (عليه الصلاة والسلام) التي تحدد حقيقة الإيمان الذي يبدأ من الشهادتين وينتهي عند إماطة الأذى عن الطريق ،مرورا بحسن تعامل الرسول (عليه الصلاة والسلام) مع كفار قريش وعفوه عنهم الذين أخرجوه من أحب بلاد الأرض إلى قلبه ـ والدستور الذي وضعه لتحديد العلاقة بينه وبين اليهود ونقضهم للعهد .
ثم يتعجب من الوهابية التي ترسخ القطيعة بين أبناء الأمة الإسلامية وتعد هذه القطيعة من القربات لله ؛استنادا إلى أحاديث موضوعة كما أثبت ذلك ابن الجوزي (595 هـ) في كتابه الموضوعات ، والسيوطي (911 هـ) في اللآلئ المصنوعة ويورد نماذج منها، ثم يستشهد بنص لابن قدامة يقول: "من السنة هجران أهل البدع وترك النظر في كتب المبتدعة ،والإصغاء إلى كلامهم ...وكل متسم بغير الإسلام والسنة مبتدع ؛كالرافضة والجهمية والقدرية والمرجئة والمعتزلة ".
ومعنى ذلك أننا نحينا قيم الإسلام في حسن التعامل ودعوته للمحبة والتعاون جانبا ، وأقمنا حربا شعواء بين المذاهب الإسلامية ،وطالبنا كل فرقة أن تقيم قطيعة بين الفرقة الأخرى لأن هذا من السنة وأشعلنا فتنة فيما بيننا!.
ثم يعود إلى نصوص الإباضية ويقتبس مقولات لعلمائهم القدامى والمعاصرين وكلها تتحدث عن الأخوة الإسلامية ،وحق المسلم على أخيه المسلم ،وضرورة إقامة جسور التعاون بينهم بصرف النظر عن المذهب ،علاوة على أنهم لا يكفرون المخالفين لهم في الرأي ،أو يرمونهم بالبدعة أو يتهموهم في عقيدتهم ،والمعيار عندهم هو التمسك بقيم الإسلام ومقرراته المعروفة.
9 ـ ينتقل المؤلف للحديث عن تاريخية التقريب بين المذاهب ومحاولة رأب الصدع بينها وجسّر الهوة العميقة التي نشأت عبر الصراع السياسي والفكري ؛ويستعرض رموز هذا الاتجاه من علماء السنة ؛فيشير إلى جهود الأفغاني (ت: 1897) ودعوته إلى إنشاء الجامعة الإسلامية ،وتلميذه الفذ محمد عبده ،وحضوره الكاسح على الساحة الدينية والفكرية والسياسية سواء من خلال مؤلفاته أو نشاطه الديني وسعيه إلى توثيق أواصر الأخوة بين علماء الأمة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب ،وإقامته علاقات وطيدة وطيبة مع زعماء الإباضية ، وكذلك دعوة حسن البنا (1949) لتناسي الخلافات ونقاط الاختلاف ، وله عبارة مشهورة يقول فيها :تعالوا نعمل بما اتفقنا عليه ،وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه.
وفي السياق ذاته يشير إلى جهود شيخ الأزهر محمود شلتوت (ت: 1963) ودعوته إلى ضرورة تلاحم المسلمين ،وفتواه الشهيرة بجواز التعبد بمذهب الجعفرية ،وتعاونه مع آية الله القمي في إنشاء مجلة التقريب، ولا ينسى أن يشير لأعمال شيخ الإسلام محمد الغزالي الذي وهب حياته وعمره لإيقاظ همم المسلمين ووعيهم ،وبذل في مؤلفاته الغزيرة جهودا جبارة لوحدة المسلمين ،وتنقية الفكر الإسلامي مما لحق به من أوهام وخرافات ،وهجومه الشديد على المجسمة وفقههم البدوي ،ونعيه عليهم تكفيرهم للفرق المخالفة لهم في الرأي وتحقيرهم لأبي حنيفة قديما ،ولحسن البنا حديثا.
ومن العلماء الذين تجشموا الدفاع عن فكر الإباضية والمعتزلة ، وإنصافهم في التاريخ ، وعرض أفكارهم عرضا موضوعيا ، وشرح وجهة نظرهم مستندا إلى مؤلفاتهم الدكتور محمد سليم العوا في محاضراته القيمة.
ومن الجدير بالإشارة أن علماء الشيعة تابعوا هذه الجهود وأعطوا لها زخما واضحا ؛وكان منهم آية الله محمد حسين فضل الله ، وهو من علماء الشيعة الكبار تميزت مواقفه بالاعتدال وحسن التخاطب وإلحاحه في الدعوة إلى التقريب بين المذاهب وتحمل عبئا كبيرا لانتصار مسعاه ،وكذلك محمد جواد مغنية.
وبعد هذا الطرح المتميز ، والحيدة في العرض ،يعرج إلى الإشارة إلى جهود الإباضية في قضية التقريب بين المذاهب ،وتصفية أجواء الشحناء والتنابز بالألقاب ووأد الفتنة بين المسلمين ولم شملهم والدعوة إلى الوحدة ومن الأمثلة على ذلك ــ براءة الإمام عبد الله بن إباض من نافع بن الأزرق الذي حكم بكفر المخالف.
ـ طرد الإمام جابر بن زيد من مجلسه زيادا بن الأعسم (ق: 1 هـ ) بعد أن أفتى بشرك المخالفين.
ـ بادر أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة بتهنئة عمر بن عبد العزيز بالخلافة وطالبه برفع ظلم أبناء عمومته عن عموم المسلمين ،وكذلك وقف سب الإمام عليّ من على المنابر ؛وهذا له دلالة واضحة تظهر أن الإباضية ليسوا طلاب سلطة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، لا يكفرون المخالف لهم ،ويؤكد ذلك مقولة فارسهم المغوار أبي حمزة الشاري: "الناس منا ونحن منهم إلا مشركا بالله عابد وثن أو كافرا من أهل الكتاب".
ـ حينما تجلت بوادر التشبيه والتجسيم عند الوهابية وأراد بعض المشايخ الحكم بتكفيرهم رفض الإمام الربيع بن حبيب هذا التوجه رفضا جازما ،ونوه بأن هذا الاتجاه ظهر من عوامهم وليس من أئمتهم، وهذا هو نفس موقف المحقق سعيد بن خلفان الخليلي الذي أجاب عن حكم المشبهة الوهابية فقال: إياك أن تتهم أحدا من أهل القبلة بالشرك، وهذا الموقف المعتدل قابله موقف متشدد من الوهابية حيث أفتى جمهرة من علمائهم بتكفير القدرية والجهمية والشيعة والمعتزلة والإباضية ،ومازالت وسائل إعلامهم تشن حملة من الكراهية على المذاهب المخالفة لهم والتنفير منها وتأكيدا لهذا التوجه السلمي والدعوة إلى التقريب بين المذاهب، يشيد المؤلف بجهود علي يحيى معمر( 1980) ودعوته للمعرفة والتعارف والاعتراف، بعد أن هالته جملة الأكاذيب ، والحملة المغرضة التي شنها كتاب المقالات على الشيعة والمعتزلة بعامة والإباضية بخاصة دون أن يرجعوا إلى مؤلفات أصحاب المذهب وهذا خلل منهجي واضح ،أفضى إلى تشويه صورة المذاهب الإسلامية في نفوس جماهير المسلمين ،ومن يرد أن يتعرف على فكر الإباضية ووجهة نظرهم عليه بالرجوع إلى كافة مؤلفاتهم قديما وحديثا وتراثهم أصبح مطبوعا ومنشورا بين يدي الجميع لاسيما بعد أن صار العالم قرية صغيرة.
وقد أنصف علي يحي معمر كافة الفرق الإسلامية ومنهم الحنابلة في كتاباته واتسم بالحيدة الكاملة والمناقشات الموضوعية، والمنهجية العلمية ،في الوقت الذي أفتى فيه الشيخ ابن باز بتكفير الإباضية.
إن اختلاف وجهات نظر المذاهب في بعض القضايا الفقهية ،يجب ألا يؤدي إلى الفرقة والاختلاف، إذ لكل فريق أدلته النقلية والعقلية التي يستند إليها وحقيقة الاختلاف هين لا يستحق كل هذا العناء والنفور.

قراءة ـ د/ محمد عبد الرحيم الزيني
أستاذ الفلسفة الإسلامية