[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
يختار كثيرون في الملمات الوطنية أين يقفون وماذا يفعلون .. مجتمعاتنا الشرقية ما زال المفهوم الوطني فيها حديث العهد، بالنظر إلى المفهوم العشائري والقبلي والديني... فلقد تأسست بالنسبة لهذا المجتمع دولة لم يكن معتادا على وجودها، فصار عليه أن يطبق أنظمة وقوانين، لم يكن يعلم بها إبان الوجود العثماني مثلا الذي كانت الضرائب قمة ارتباطه بها.
لكن الحيرة تتبدد كلما تقدم وضع محدد إلى المكسب، وخصوصا في الحروب .. الشعب عادة يتعلق بالرابح، ينجذب إليه، يؤمن به، يقف معه كلما تمادى في الربح. هو نظام حياة لا يمكن تغييره، مع أنه سلك طريقا مغايرا إبان هزيمة العرب الكبرى عام 1967 أمام إسرائيل، والتي كان يفترض فيها أن تقبل استقالة المهزوم آنذاك الرئيس جمال عبدالناصر إلا أن الشعوب العربية وفي طليعتها المصري رفضت استقالته، وكان ذلك من باب إحساسها بعدم وجود البديل، إضافة إلى ما كان يمثله الرئيس المصري آنذاك من قيمة معنوية وإنسانية وكاريزما خارقة الأوصاف وارتباط به لا يمكن الفكاك منه.
اليوم يحدث أمام أعين شعوبنا نوع من البطولة الخارقة الممثلة في الجيش العربي السوري وفي الجيش العراقي وفي حزب الله وغيره من قوى مماثلة له. تصمد تلك القوى العسكرية التي أصلها مدني أمام قوى عاتية من الإرهاب المنظم والممول والمدعوم والمشغل على قواعد متقدمة من العلم والسلاح المتطور ..
لم تعش الأجيال الحالية انتصارات من هذا النوع، ولم يدر في خلدها أن تقع في هذا الشرك الذي نصب لها ولمستقبلها وحياتها .. صحيح أن حزب الله قدم قتالا أدهش العرب عام 2006 وجعله مرمى آمالهم، إلا أن الشعوب تنسى كثيرا ما صار لها من مصير، فتعود إلى ذاكرة أقوى وهو الخوف من عدو لم يعد أبدا مدار تخويف لأحد.
ولهذا تجدها في بداية الحرب على أوطانها تتهيب الوقوف إلى جانب ما حتى تعثر على ما يشدها إليه، ولقد تحقق لها أن رأت وسمعت وعاشت انتصارات جيشها فارتمت في أحضانه وعشقت تضحياته وآمنت بما يحققه.. بل وتراها أشد حماسا من أي وقت مضى عليها، خصوصا وأن أبناء لها يقاتلون في الجيش، وثمة شهداء في كل بيت تقريبا، إلا أنها مصممة على المضي في الموقف ذاته دون أي تردد أو تأخير.
هو الإيمان بلا شك، لكنه أيضا فرصة لن تتكرر، أن يكتشف المواطن في لحظة مصيرية موقفه النهائي من الانتماء الوطني، وهو موقف لن يتغير بعدها أبدا، وسيظل مؤمنا بحزم وإباء، بأن حقيقة عمره ومن بعده هو هذا.
سوف تكتب أجمل الكلمات الطالعة من المشهد المتكون من تراث جديد اسمه نداء الحياة من خلال التضحيات في سبيل الوطن. ولسوف ترسم أجمل اللوحات، ربما في موازاة الغرنيكا الإسبانية وأكثر، وسيكون هنالك فيض من الشعر، ولاحقا ستكتب القصص والروايات بتجارب مقاتلين من الجيش العربي السوري والقوى العراقية المشتركة ومن القوى الرديفة، وسيكون على الأطفال أن يكبروا وسط ثقافة خاصة هندستها الحرب المصيرية التي تتفتح عيونهم عليها وتمس قلوبهم الصغيرة، وسيكثرون من الأسئلة لأهاليهم كلما رأوا فرحا على وجوههم أو قلقا ما.
سوف يقال في الزمن القادم ما هو تابع من الواقع الحالي ومن صميمه .. نحن نكتب تاريخا بالدم، وهم سيكتبونه بالمشاعر والانتماء الوطني والقومي وعلاقة الروح بجسد الوطن الذي هم منهم وإليه...