‏[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/abdellatifmhna.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عبداللطيف مهنا[/author]
تعلم رام الله أن فصائل المقاومة لن تسلّم بندقيتها، وأن حرمان خمسين ألف عائلة غزيّة من مورد رزقها بطرد عائليها يعني الفوضى والانفجار...وعودة للإجابة على سؤالنا، إذا ما السر في لغم التمكين؟!
الجواب نجده لدى صحيفة "إسرائيل اليوم"، قالت، إن "السلطة تتعرَّض لضغوط عظيمة من دول المنطقة لإحياء المفاوضات، وإعادة التنسيق الأمني الكامل مع إسرائيل، وذلك لإنشاء جبهة إقليمية لصد النفوذ الإيراني في المنطقة ومكافحة الإرهاب"..

عبداللطيف كاتب فلسطيني
سلطة بلا سلطة، توصيف بات في حكم المصطلح، ومجمعا عليه في الساحة الفلسطينية بقسمتيها وتلاوينهما، معارضو منتج اتفاقية أوسلو، أو سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال...المحدود بما لا يكاد يتجاوز كثيرا صلاحيات بلدية، مع شرط التعاون الأمني مع المحتلين بشأن ما يحفظ أمنهم...ومريدو نهج أوسلو وحتى قادته. الكل ردد هذا التوصيف وعكسته شكاوى حال هذه السلطة خلال ما يقارب الربع قرن مر على توقيع الاتفاقية الكارثية.
والمناخ الأوسلوي بدوره ولَّاد للمصطلحات التي هي من نسله. خلال العقد ونيّف الأخير ساد في الساحة مصطلح آخر هو من تداعيات المنتج عينه عُرف بـ"الانقسام"، والذي نرى أنه سوف يظل الملازم للسياق الأوسلوي مهما طالت مسلسلات التكاذب التصالحي وتعددت عروضه المتواترة وغير الشيّقة، هذه التي بات راهنها بامتياز سيد التجاذبات الارتباكية الدائرة الآن في الساحة الفلسطينية.
السلطة "البلا سلطة"، ومعها "الانقسام"، الذي على خشبته تدور مشاهد كرنفالات التكاذب التصالحي، أي المنتج بدوره لحكومة "توافق اللا توافق"، إذ لم تلتزم ببند واحد من بنود "اتفاق الشاطئ" الذي أوجدها، ثلاثتهما الآن بصدد إنتاج مصطلح رابع، ينطبق عليه المأثور العربي "من شابه أباه فما ظلم". أباه وأمه معا هي السلطة بلا سلطة، أما الوليد المنتظر فهو مصالحة "اللا مصالحة"...لا تستغربوا كم هذه السياقات ولَّادة لمصطلحاتها العجائبية، وتذكَّروا معنا فحسب ذاك المصطلح الذي كان إيذانا ببداية حنجلة الرقص التسووي، "اللعم"... ولنعد لما نحن بصدده.
سلطة بلا سلطة في رام الله تريد بسط سلطتها "كاملة وغير منقوصة" على غزة، رافعة سيف مصطلح خامس هو "التمكين"...تمكين حكومة "الوفاق الوطني"، أو عمليا توافق "اللاتوافق"، والتي تمثّل فريقا واحدا لا شريك له، من بسط لا توافقها مع نهجها، أو برنامجها وحدها، على القطاع المحاصر والمعاقب.
السؤال الآن في الساحة الفلسطينية هو: أما وإذا كانت هذه الحكومة العتيدة قد استلمت فعلا هذه السلطة، وبشهادة شاهد من أهلها، هو عضو اللجنة المركزية لحزبها الدكتور محمد أشتية، القائل إن "حكومة الوفاق" قد "تسلّمت المعابر في غزة على أكمل وجه"، وزاد، إن "إخواننا في حماس متعاونون على أكمل وجه في كل ما يتعلّق بمفاصل المصالحة"، وإذا كان هذا التسليم قد شمل الوزارات والإدارات ومقراتها وفي سبيله للإتمام، فما هو كنه هذا التمكين الذي ينقصها لكي ترفع عقوباتها غير المبررة عن مليوني فلسطيني مُنتكبين بحصار إبادي طال، ويعيشون ظروفا وأوضاعا كارثية يصفها حتى الأعداء بأنها باتت فوق طاقة البشر؟!
قبل الإجابة، لا بد من الإشارة إلى أن الجميع، ممن يتفقون أو يختلفون مع حماس، لا سيَّما رام الله، لا يخفى عليهم أن الظروف المحيطة بهذه الحركة، والحالة الكارثية في القطاع، وفوقه ربما مراجعاتها، وفي ظل قيادتها الجديدة، هو ما دفعها لأن تقرر جازمةً التخفف من أوزار السلطة وتبعاتها الثقيلة، وغسل يدها من أوصاب خطيئة استراتيجية سحبتها إلى داخل الملعب الأوسلوي، وبالتالي ألقت بكرة السلطة في ملعب السلطة بلا سلطة والتي لا ترضى عن السلطة بديلا. والكل بات على بيّنة من أن الأولى تصر على المصالحة كمخرج لمأزوم، وأن الثانية فوجئت وارتبكت ولم تجد سبيلا من مداراة الوسيط، بعد أن اطمأنت إلى مباركة الأميركان وموافقة المحتلين، وتبحث الآن عن ذرائع تمكينية تؤدي لهدفين:
التعامل مع حماس كخاسرة، أو خنق المصالحة واتهامها بخنقها... والمفارقة أنه مع أن الطرفين ما زالا يرفعان شعار "المصالحة خيار استراتيجي"، لكنما الأيام الأخيرة التي أعقبت التسليم استبدلته للغزيين بالتمكين...
قرر الوزير حسين الشيخ وعضو مركزية حزب السلطة أن سلاح المقاومة لم يعد شأنا فصائليا ولا تنظيميا، واتهم مسؤول ملف المفاوضات التصالحية الدائم، المتغني بالوحدة الوطنية إثر توافق القاهرة الأخير، عزّام الأحمد، إيران بأنها "المموّل الأول للانقسام الفلسطيني"، مرددا مقولة "التمكين كليا" مقابل رفع العقوبات، وزاد الطين بلة أن أمر رئيس "حكومة التوافق" موظفي غزة ما قبل "الانقسام" السبعين ألفا، والذين أُمروا قبل عقد ونيّف بالجلوس في بيوتهم تحت طائلة إيقاف راتب من لا يفعل، أي لم يستنكفوا كما وصفهم في قراره، بالالتحاق فورا بعملهم، علما ان حكومته كانت قد أحالت جزءا كبيرا منهم على التقاعد وخفضت رواتب البقية بحوالي الثلث، بمعنى الطلب منهم طرد خمسين ألفا ممن عيّنوا ليحلوا محلهم طيلة أمد هذا الانقسام المديد والحلول محلهم...تدخّل الوسيط المصري فتراجع الحمدالله، وصدر قرار رئاسي بمنع التصريحات التمكينية...
تعلم رام الله أن فصائل المقاومة لن تسلّم بندقيتها، وأن حرمان خمسين ألف عائلة غزيّة من مورد رزقها بطرد عائليها يعني الفوضى والانفجار...وعودة للإجابة على سؤالنا، إذا ما السر في لغم التمكين؟!
الجواب نجده لدى صحيفة "إسرائيل اليوم"، قالت، إن "السلطة تتعرَّض لضغوط عظيمة من دول المنطقة لإحياء المفاوضات، وإعادة التنسيق الأمني الكامل مع إسرائيل، وذلك لإنشاء جبهة إقليمية لصد النفوذ الإيراني في المنطقة ومكافحة الإرهاب"...التفاوض على آخر نسخة حل لصاحبيها نتنياهو ـ ترامب، دولة، ولكن "بمفهوم مختلف"!!!