أصبحت السياحة الداخلية جزءًا مهمًّا من المدخول السياحي للبلدان خاصة في أوقات الإجازات الوطنية، التي تختلف من بلد إلى آخر؛ فالمواسم السياحية المرتبطة بالطبيعة المناخية والطبيعية للبلدان، أو المرتبطة بأوقات الذروة السياحية عالميًّا، يكون اهتمام صناع السياحة بالسائح القادم من خارج البلد، لكن يظل السائح المحلي كان مواطنًا أو مقيمًا هو الرقم الصعب في تحقيق تنمية سياحية مستدامة، فهي تنشط غالبًا في المواسم المنخفضة وفترات الركود السياحي خاصة البعيد عن المواسم السياحية الجاذبة للسائح الخارجي، فهي تتيح للمنشآت السياحية العمل في غير أوقات ذروتها، بشكل يحافظ على المردود الاقتصادي الجيد، طوال فترات العام، خاصة وإن كانت تقدم خدمات سياحية ذات مواصفات وأسعار تتناسب مع إمكانات ومتطلبات السكان المحليين الذين يقومون باستهلاكها.
إن سبل تشجيع السياحة الداخلية يرتبط دائمًا بما تقدمه الشركات السياحية والمنشآت من عروض مغرية للمواطن والمقيم تدفعه إلى عدم السفر إلى الخارج، والدخول في تجربة داخلية، فدعم التكلفة وتوفير وسائل نقل مريحة، وتوافر البنى الأسياسية السياحية؛ كلها عوامل تصب في تنمية هذا النوع من السياحة، بالإضافة إلى إقامة معسكرات في المناطق السياحية وإعداد برامج لزيارة المناطق الأثرية والثقافية لتحفيز المواطنين على التعرف عن كثب على بلدهم من الداخل، ما سيكون مجديًا بشكل كبير من الناحية الاقتصادية، ويكون وسيلة جيدة لتخفيف الإنفاق على السياحة الخارجية من قبل المواطنين، ما يحافظ على دورة رأس المال داخل الوطن، كما أن له مردودًا ثقافيًّا واجتماعيًّا، حيث يعرف المواطنين بوطنهم ومنجزاته الحضارية الكثيرة والتي تعد معرفتها جزءًا من الثقافة الوطنية المهمة، ويترتب على هذه المعرفة بأجزاء الوطن ومنجزاته الحضارة ارتفاع نسبة الانتماء للوطن والفخر به، ومن ثم يصبح الأفراد وسائل إعلامية متحركة في هذا المجال، وتصبح السياحة الداخلية سلوكًا دائمًا لهم بدلًا من السياحة الخارجية التي تشكل نوعًا من التهديد الثقافي لبعض قيمنا وسلوكياتنا.
ولعل السلطنة تمضي في هذا الطريق بخطى واثقة، تسعى عبرها إلى التفرد السياحي عبر الاستفادة القصوى بالمقومات السياحية في مختلف ربوع السلطنة، فتزامنًا مع احتفالات السلطنة بالعيد الوطني السابع والأربعين المجيد أتاحت إدارة متحف قوات السلطان المسلحة الفرصة للجمهور الكريم للاطلاع على ما يزخر به المتحف من الموروثات العسكرية، وعلى المعروضات الدالة على مسيرة تطور قوات السلطان المسلحة وما حظيت به من رعاية واهتمام ساميين من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم القائد الأعلى للقوات المسلحة ـ حفظه الله ورعاه ـ من خلال العديد من المخطوطات والمجسمات والأسلحة التاريخية والتي تحكي عراقة التاريخ العسكري العماني، وهي خطوة بجانب ترسيخ الانتماء الوطني، تصب في فتح آفاق جديدة للمواطن والمقيم ليظل في بلاده ويقوم بسياحة منوعة تسهم في سياسة التنويع الاقتصادي المأمول.
وعلى نفس النهج أتاح مكتب حفظ البيئة بديوان البلاط السلطاني للمواطنين والمقيمين والزائرين المهتمين والباحثين ومصوري الحياة البرية، الراغبين في الاستمتاع بمشاهدة التنوع الحيوي وسحر الطبيعة، زيارة محمية الكائنات الحية والفطرية بمحافظة الوسطى بصورة مباشرة، ما يسهم في تقوية الشراكة المجتمعية ورفع مستوى الوعي، وتعزيز الثقافة البيئية في المجتمع باعتبارهم ركيزة أساسية في عمليات المساهمة في صون المحميات الطبيعية ومكوناتها وحفظ التوازن البيئي في كل مناطق السلطنة، حيث يشكل هذا التوجه فرصة لكل من يرغب في استثمار الإجازة والاستمتاع بالأجواء الجميلة من خلال زيارة المحمية والتعرف على مقوماتها ومعالمها وتاريخها وإرثها وتنوعها الأحيائي ومكتسباتها الحضارية، والتعرف على طبيعة المنطقة الصحراوية وتمكنهم من مشاهدة المها العربية وغزلان الريم والغزلان العربية في حظائر الإكثار، وهي كلها جهود تصب في تنمية السياحة الداخلية في السلطنة.
ومن الجهود المحمودة في هذا المجال أيضًا هو إقامة بنية أساسية سياحية في مختلف المناطق التي تتفرد بمنتج سياحي، يفتح الطريق لتنميتها وتوفير فرص العمل والاستثمار للسكان المحليين، ويأتي وضع حجر الأساس لمشروع تطوير كهف حيور بجبل سمحان بناية طوي أعتير كأحد النماذج التي تسعى الحكومة إلى ترسيخها، حيث يتوقع أن يسهم المشروع الجديد في جعل محافظة ظفار وجهة سياحية مثالية على مدار العام، وإيجاد سياحة تكاملية بين مختلف محافظات السلطنة من خلال استثمار المقومات الطبيعية والتاريخية واستهداف مشاريع نوعية ذات قيمة اقتصادية.