جاء الإعلان عن موافقة 24 دولة من كبار مصدري النفط على استمرار قرار خفض إنتاجها النفطي حتى نهاية 2018م مبعثًا لارتياح كافة أطراف المعادلة النفطية من منتجين ومستهلكين، وذلك كون الهدف من وراء هذا القرار يصب في تعزيز الأسعار في السوق العالمية، ما يؤثر بشكل مباشر على اقتصادات الدول المنتجة التي دفعها الانهيار في أسعار النفط منذ 2014م إلى تخفيض الإنفاق العام في موازناتها السنوية، ما كان له أكبر الأثر على حالة التجارة العالمية، بصورة دفعت الاقتصاد العالمي للركود، وأثر بدوره بشكل سلبي على مستهلكي النفط من الدول الإنتاجية، التي تراجعت صادراتها بشكل ملحوظ، ما كان له تأثير سلبي على النمو المستدام في تلك الدول، فكانت عودة التوازن لسعر السوق النفطي هدفًا يحرص عليه الجميع منتجين ومستهلكين، فالنفط لا يزال جزءًا مهمًّا من معادلة الاقتصاد العالمي يصعب تجاهلها، وعوائده لا تزال تشكل رقمًا صعبًا في اقتصادات منتجيه، الذين يعدون أحد أبرز أهم الأسواق الاستهلاكية في العالم؛ لذا فتأثرهم بانخفاضه يعود سلبًا على حركة الاقتصاد العالمي الذي لم يتعافَ بعد من أزمته المالية بشكل كامل.
ناهيك عن التوترات ونقاط الالتهاب التي يشهدها العالم في العديد من البؤر التي تؤثر بشكل واضح على حركة التجارة العالمية، خاصة وأن تلك التوترات كانت أكثر مما أسهم في الانخفاض الدراماتيكي الذي شهده السوق النفطي؛ لذلك يعد الاتفاق النفطي عودة مرة أخرى لصوت العقل وتغليب صوت المصلحة عن الصراع، والتمسك بالتنمية المستدامة كطريق آمن يحافظ على رفاهية الشعوب، بدلًا من التمسك بالعناد الذي يضر كافة أطراف المعادلة النفطية حول العالم.
إن التنمية المستدامة في الدول النفطية وعلى رأسها السلطنة لا تزال في احتياج لعوائد النفط لكي تتم ما شرعت به قبل الانهيار في السوق النفطي، من إقامة مشاريع عملاقة، تسعى إلى تنويع الاقتصاد الوطني، وتفتح الآفاق أمام مشاركة فاعلة للقطاع الخاص في دوران الحركة الاقتصادية. ويأتي اتفاق تمديد خفض الإنتاج كفرصة حقيقية لهذه الدول ومن بينها السلطنة في بقاء سعر النفط فوق 60 دولارًا، وسط توقعات بارتفاعه نحو 70 دولارًا أميركيًّا في المستقبل القريب، لتستثمر تلك الزيادات في الأسعار وتضخ في الشريان الاقتصادي للبلاد، مستكملة المشاريع التنموية المتنوعة، ما يكون له الأثر الأكبر في تسريع دورة رأس المال في البلاد، وتوفير المزيد من فرص العمل للباحثين عن عمل.
فعوائد النفط لا يقتصر مردودها الإيجابي على القطاع النفطي فقط، لكنها تمتد لزيادة الإنفاق الحكومي الذي يسعى إلى الانتهاء من مشاريع التنويع، التي أقرتها الخطة الخمسية التاسعة، فيصب ذلك في خانة انتعاش القطاع الخاص في القطاعات المرتبطة بالعمل الحكومي، مما يضخ الدماء في كافة الشرايين القطاعية، وتعود حركة الأعمال الاقتصادية لتقترب بشكل ما مما كانت عليه قبل الانهيار النفطي، فهي فرصة للجميع ليلتقطوا أنفاسهم بعد عامين عانى فيهما الاقتصاد العالمي بسبب عرقلة التنمية، وتقوقع الاقتصادات العالمية حول ذاتها، فكان ذلك تأكيدًا أن النفط الرخيص ليس له من مستفيد على الصعيد الدولي.
إن الاتفاق وإن كان الهدف الرئيسي منه مواصلة الحفاظ على مكتسبات التفاهمات الماضية، لتعزيز سعر النفط، ووصوله إلى معدل جيد، وإحداث توازن ما بين العرض والطلب، إلا أنه يتعدى هذه الرؤية ليؤكد أن التوافق حول المصالح هو الطريق الوحيد لاستدامة التنمية حول العالم، وأن العناد والسعي وراء شعارات لا طائل منها وتجاهل المصلحة المتبادلة، سيضر الجميع ولن يعود بالفائدة على أحد، فالتنمية المستدامة في كافة بلدان المعمورة مرتبطة بمدى التعاون بين بلدانها، خاصة التعاون القائم على المصالح المبتادلة، التي تغلب صوت العقل عن الفوضى التي لن ينجو منها أحد.