السلطنة تحقق تقدما كبيرا.. وتبني الحكومة الإلكترونية يعبر عن رغبة في الاستفادة من ثورة المعلومات

إعداد ـ هيثم العايدي:
تضع الدول العربية التنمية الاقتصادية والاجتماعية على رأس أولوياتها ما يستدعي استثمار الإمكانات والطاقات البشرية الهائلة الموجودة فيها في كافة المستويات والأصعدة.. لكن الاقتصاديات العربية ما زالت توسم بكونها تقليدية الأمر الذي يتطلب إجراء تغييرات جذرية للتحول إلى اقتصاد المعرفة الذي يستدعي بدوره تعليم فعال وتقنية في قطاع المعلومات والاتصالات.
فالاقتصاد المبني على المعرفة هو ذلك الذي يستخدم تقنيات لإنتاج فائدة اقتصادية وكذلك لايجاد وظائف.
وقد دخلت المعرفة الفنية، والإبداع، والذكاء خاصة ذلك المتجسد في برامج الحاسوب والتكنولوجيا، والمعلومات كمكون أساسي في عملية الإنتاج بعدما انحصرت هذه العملية لقرون في الأرض والأيدي العاملة، ورأس المال.
أي أن اقتصاد المعرفة يقصد به أن تكون المعرفة هي المحرك الرئيسى للنمو الاقتصادي وبالتالي تكون الموارد البشرية المؤهلة وذات المهارات العالية، أو رأس المال البشري، هي أكثر الأصول قيمة في الاقتصاد الجديد، المبني على المعرفة. وفي الاقتصاد المبني على المعرفة ترتفع المساهمة النسبية للصناعات المبنية على المعرفة أو تمكينها، وتتمثل في الغالب في الصناعات ذات التكنولوجيا المتوسطة والرفيعة، مثل الخدمات المالية وخدمات الأعمال.
وقدرت الأمم المتحدة أن اقتصادات المعرفه تستأثر 7 % من الناتج المحلي الاجمالي العالمي وتنمو بمعدل 10 % سنويا. وجدير بالذكر ان 50 % من نمو الإنتاجية في الاتحاد الأوروبي هو نتيجة مباشرة لاستخدام وإنتاج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وأول ما يعتمد عليه الاقتصاد المعرفي هو الابتكار الذي يحقق الكفاءة لعمليات الإنتاج ويحسنها من ناحية النوعية والكمية وذلك عبر نظام فعال من الروابط التجارية مع جهات البحث العلمي والمؤسسات الاكاديميه لمواكبة ثورة المعرفة المتنامية واستيعابها وتكييفها مع الاحتياجات المحلية.
ولا يأتي الابتكار الا عبر نظام تعليمي متطور توفر مخرجاته أيدي عاملة ماهرة تثري رأس المال البشري القادر على ادماج التكنولوجيات الحديثة في العمل الأمر الذي يستدعي ربط التعليم بسوق العمل ودمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات اضافة الى المهارات الابداعية في المناهج التعليمية.
واضافة الى ذلك لا بد من توافر بنية أساسية مبنيه على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تسهل نشر وتجهيز المعلومات والمعارف وتكييفه مع الاحتياجات المحلية وكذلك حوافز تقوم على اسس اقتصادية قوية تستطيع توفير كل الاطر القانونية والسياسية التي تهدف إلى زيادة الإنتاجية والنمو. وتشمل هذه السياسات التي تهدف إلى جعل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أكثر اتاحة ويسر، وتخفيض التعريفات الجمركيه على منتجات تكنولوجيا وزيادة القدرة التنافسيه للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
فالبلدان التي تملك كوادر بشرية مؤهلة تعليمياً في شكل جيد أو تملك يد عاملة مدربة ومؤهلة مهنياً لا بد من أن ترتقي قدراتها الإنتاجية وأن تتحسن درجة المنافسة لديها في أسواق التصدير. وفي الوقت ذاته لن تتمكن المنتجات المستوردة من الخارج من أن تنافس المنتجات المحلية، ولا بد من أن يحقق الميزان التجاري وميزان المدفوعات لديها فوائض.
ويعتبر الانفاق على البحث العلمي واقتصاد المعرفة وجهين لعملة واحدة حيث أن البحث العلمي يزيد من القدرات الإنتاجية.
وتتفاوت مستويات الإنفاق على البحوث والتطوير في البلدان فإسرائيل، مثلاً، من أعلى البلدان إنفاقاً نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي (4.2 في المئة)، فيما تأتي كوريا الجنوبية في المرتبة الثانية بنسبة 3.7 في المئة تليها اليابان (3.6 في المئة) فالولايات المتحدة (2.7 في المئة).
ويعتمد اقتصاد المعرفة على وجود مؤسسات بحثية يمكن أن تكون تابعة للجامعات والمعاهد العليا أو مستقلة أو ممولة من شركات ومؤسسات اقتصادية. وطورت مؤسسات كثيرة في القطاع الخاص في البلدان الصناعية المتقدمة نتائجها من خلال التعاون مع المؤسسات البحثية بما ساعدها على تحسين قدراتها الإنتاجية والتسويقية والإدارية وأوجد لها منافذ للتغلب على المصاعب التقنية في أعمالها.
فدول مثل اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة تطورت اقتصاديا خلال القرن العشرين بفضل خبرات تراكمت في مختلف المجالات الاقتصادية وطورت الصناعات التحويلية المختلفة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وتحولت من بلدان تسعى إلى التوسع جغرافياً إلى بلدان تتوسع في التصدير، وتمكنت صناعاتها من أن تنتصر بالمنافسة على صناعات في بلدان عدة في أوروبا وأميركا الشمالية.
فاليابان تستورد المواد الخام اللازمة لصناعاتها ولكنها بالابتكار عززت قدراتها التنافسية في الصناعات المتنوعة مثل صناعة السيارات والصناعات الإلكترونية بل وتقدمت على دول أوروبية بل والولايات لامتحدة نفسها.
وقد حققت السلطنة تقدما كبيرا في مجال التحول الى الاقتصاد المبني على المعرفة
حيث تشير اخر الاحصائيات الى أن اجمالي عدد المنتفعين من خدمة الإنترنت قد ارتفع بنهاية شهر أبريل من العام الحالي بنسبة ارتفاع قدرها 4ر8 بالمائة.
يضاف الى ذلك تبني السلطنة برنامج الحكومة الإلكترونية كجزء من برنامج النهضة الشاملة في السَلطَنة، ما يعبر عن رغبة السَلطَنة في تبنّي اقتصاد المعرفة والاستفادة من ثورة المعلومات وتطور خدمات التجارة الإلكترونية في الدول المتقدّمة.
فقد انشأت السلطنة في عام 1998، فريق العمل الخاص بتقنية المعلومات بهدف تطوير خدمات الحكومة الإلكترونية في مؤسّسات الدولة. ثم أنشئت «هيئة الرقابة على الاتصالات»، بهدف تحرير ذلك القطاع.
وفي عام 2003، أنشئت «واحة المعرفة». وفي عام 2004، جرى التعاقد مع شركة «عُمانتِل» للاتصالات على تطوير شبكة الربط الإلكتروني بين المؤسّسات الحكومية. ثم أنشئت «هيئة تقنية المعلومات» عام 2006. وفي ذلك العام، بدأ برنامج «عُمان الرقمية» تحت إشراف «هيئة تقنية المعلومات». وفي عام 2010، دشّن برنامجٌ لتقديم أجهزة الحاسوب بأسعار مدعومة، لطلاب الجامعات وفئات خاصة من المجتمع. وفي ذلك العام أيضاً، تأسّست منحة السلطان قابوس للتفوّق في خدمات الحكومة الإلكترونية للمؤسّسات والأفراد المتميّزين.
وتهدف الحكومة الإلكترونية الى توفير فرص لتوظيف خريجي تقنية المعلومات، وتشجيع المشروعات الصغيرة لتقديم خدمات الحكومة الإلكترونية.
وكانت السلطنة تبنت مشروعا طموحا لتحويل الاقتصاد والمجتمع إلى عصر تقنية المعلومات المتقدمة وبناء مجتمع عُمان الرقمي وهو ما يسمى الآن ( مشروع الإستراتيجية الوطنية لمجتمع عمان الرقمي )، وتغطي هذه الاستراتيجية كافة مجالات المعرفة والقدرات البشرية المفعلة في جميع المجالات والأنشطة الاقتصادية من أجل تجميع المعرفة وسرعة وكفاءة تشغيلها في تحقيق الأهداف والخدمات الإلكترونية والتي ستبدأ الحكومة بتقديمها في القريب.
كما شهد العام 1998 تشكيل اللجنة الوطنية لتقنية المعلومات وتم تحديد مهامها في وضع سياسة وطنية للمعلومات وتقنياتها واستراتيجية تنفيذها بما يمكن السلطنة من الاستفادة الكاملة من الفرص الهائلة التي تتيحها وتجنب المخاطر المصاحبة لذلك، إضافة إلى تحقيق فعالية التكاليف في البرامج والمشروعات المرتبطة بذلك.
وأيضا تشجيع الدخول في مجال صناعة تقنية المعلومات عن طريق إنتاج البرامج والتجهيزات والشبكات كرافد في تنويع مصادر دخل الاقتصاد العُماني، وإتاحة الفرصة للسلطنة لمواكبة الثورة المعلوماتية الحديثة.
وكذلك الإشراف على وضع الأسس والمعايير والتعليمات المتعلقة بتقنية المعلومات.
واعتماد البرامج والمشاريع الوطنية اللازمة لتنفيذ سياسة تقنية المعلومات وتشكيل الفرق الفنية لإدارة وتوجيه كل برنامج أو مشروع منها.
كما تم تشكيل فريق عمل اللجنة الوطنية لتقنية المعلومات لوضع الاستراتيجية الوطنية لمجتمع عمان الرقمي للنهوض بقطاع تقنية المعلومات والاتصالات وتطبيق الحكومة الإلكترونية والانتقال إلى الاقتصاد المبني على المعرفة.
واستمرارا لجهود السلطنة في التحول الى اقتصاد المعرفة اتفق السلطنة مع الولايات المتحدة مؤخرا على المضي قدمًا في مسألة التوقيع على اتفاقية إطارية تسمح بنقل العلوم والمعارف والتكنولوجيا الأميركية إلى السلطنة؛ وذلك في إطار دعم الجهود التي تبذلها حكومة السلطنة للانتقال إلى الاقتصاد المعرفي، خصوصا وأن السلطنة مُقبلة على مشاريع اقتصادية كبرى ذات بعد معرفي.