[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
”.. لأنني تمثلت الشهداء في هذا اليوم, تراني أتمثل الشهداء في هذه المناسبة, فأردد ما قاله المبدع محمود درويش فيهم, في رائعته "الخروج من ساحل المتوسط": "أرى صفًّا من الشهداء يندفعون نحوي...ثم يختبئون في صدري... ويحترقون...ما فتكَ الزمان بهم, فليس لجنتي حد.. ولكني أحس كأن كل معارك العرب... انتهت في جثتي. وأود لو تتمزق الأيامُ في لحمي .. ويهجرني الزمانُ ... فيهدأ الشهداءُ في صدري... ويتفقون. ”

كلما أطل علينا 11 ديسمبر/ كانون الأول من كل عام, وهو ذكرى انطلاقة الجبهة الشعبية. أتذكر رفيقا وأخا عزيزا زاملته في سجن نابلس طيلة عام 1969 , وهو الشهيد خليل بحيص (أبو خالد) , الذي استشهد في اشتباك مع دورية للعدو الصهيوني في يناير عام 1971 , عندما عبر إلى الضفة الغربية المحتلة في مرته العاشرة وهو يقود دورية عسكرية, وكانت سلطات الاحتلال قد أبعدته إلى الأردن أواخر عام 1970. استشهد في المنطقة المحتلة بين مدينة أريحا والبحر الميت في اشتباك دام ثلاث ساعات. أستذكر أيضا معلمي الشهيد ربحي حداد, الذي استشهد وهو يدافع عن مدينة نابلس, عندما أعاد شارون اجتياح الضفة الغربية. بعد هزيمة حزيران 1967 ترك المناضل البطل أبو خالد دراسته الجامعية مؤمنا بالكفاح المسلح طريقا وحيدا لتحرير فلسطين حيث مارس نضاله في صفوف الجبهة الشعبية, بعد أن تدرب في قواعدها العسكرية. في أواخر عام 1967 .اعتقل أبو خالد في سجون العدو الإسرائيلي مدة سنتين, عُذب في بدايتها كثيرا مدة شهرين. في إحدى الجلسات معه, كشف لي عن جسمه لأرى آثار التعذيب عليه. كان بالفعل بطلاً في صموده, تماما كما الشهيد ربحي حداد (أبو رامز). من يعاشر هذين البطلين الشهيدين, يدرك معنى الإيمان بالهدف الذي اختطته الجبهة الشعبية, في تحرير فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البخر, وعدم المساومة على هذا الهدف.
أذكر أن أبا خالد, وقد كان يقرض الشعر, أنه قرأ علينا في الذكرى السنوية الثانية لانطلاقة الجبهة قصيدته, التي ما أزال أذكر مطلعها : " حملت إليكَ بشائر وتحية...حي العلي في الجبهة الشعبية" . كنا في غرفة السجن رقم 10 في سجن نابلس المركزي, وقد نظمنا احتفالاً متواضعا بالطبع. أطلعني خليل على قصائده الأخرى, وقد كانت في منتهى الرقة. للحقيقة استغربت يومها, الجمع بين إيمانه الفولاذي وهذه العاطفة الشفافة. لم أفهم العلاقة إلا من بعد, عندما جسدها فارس الشهداء أبو علي مصطفى, ومن قبله المبدع غسان كنفاني وجيفارا غزة وغيرهم من كل شهداء جبهتنا وثورتنا. نعم, أتقنوا "حبر التفاهم بين أشياء الطبيعة والإله", لكنهم مارسوا "لغة التخاطب بين أسوار المدينة والغزاة". ولأنني تمثلت الشهداء في هذا اليوم, تراني أتمثل الشهداء في هذه المناسبة, فأردد ما قاله المبدع محمود درويش فيهم, في رائعته "الخروج من ساحل المتوسط": "أرى صفًّا من الشهداء يندفعون نحوي...ثم يختبئون في صدري... ويحترقون...ما فتكَ الزمان بهم, فليس لجنتي حد.. ولكني أحس كأن كل معارك العرب... انتهت في جثتي. وأود لو تتمزق الأيامُ في لحمي .. ويهجرني الزمانُ ... فيهدأ الشهداءُ في صدري... ويتفقون. ما ضاق المكان بهم, فليس لجنتي حد...ولكن الخلافة.. حصنت سور المدينة بالهزيمة, والهزيمة جددت عمر الخلافة.".
منذ انطلاقتها وحتى اللحظة حافظت الجبهة وتحافظ على منطلقاتها الاستراتيجية ونهجها السياسي. هكذا استمرت وهكذا ستستمر. استطاعت فور انطلاقتها استقطاب الجماهير الفلسطينية, بالشكل الذي باتت تهدد بالتفوق على التنظيمات التي كانت قائمة! لذا تآمروا عليها من خلال تغذية بعض الاتجاهات فيها للانشقاق عنها… وهذا ما حصل. الجبهة الشعبية لا تهادن ولا تساوم أحدا أيا كان,على تغيير ولو بسيط في نهجها, منذ انطلاقتها وحتى اللحظة تميزت بالمواقف الوطنية الواضحة, التي لا تقبل التأويل. رفضت الجبهة اتفاقيات أوسلو وتوابعها. رفضت من قبل: اتفاقية كامب ديفيد، ومن بعد اتفاقية وادي عربة. الجبهة تدعو إلى الاستمرار ومواصلة قتال العدو واستمرار الصراع ورفض أية هدنة معه. ولها موقف مبدئي رافض للصراعات المذهبية, والطائفية, والإثنية في الوطن العربي. تربط بين الخاص الوطني والعام القومي, وتعمل على تعزيز العلاقة مع كافة القوى الديمقراطية على الصعيدين العربي والعالمي. تحدد معسكر القوى الصديقة والحليفة, كما تحدد معسكر الأعداء. الجبهة اعتبرت أن: حق العودة, وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على كل الأراضي المحتلة عام 1967 هو حل مرحلي على طريق تحرير كامل فلسطين, وإنشاء الدولة الديمقراطية. ناضلت وتناضل من أجل تشكيل الجبهة الوطنية الفلسطينية العريضة على قاعدة الوحدة الوطنية على الأسس الثابتة لحقوق شعبنا الفلسطيني.
كما تؤمن الجبهة بإنشاء الجبهة العربية المساندة للثورة, وتناضل من أجل تعزيز التلاحم مع حركات المقاومة العربية والعالمية والقوى الديمقراطية والتقدمية والاشتراكية على الساحة الدولية. تؤمن بمبدأ تغليب القانون الجدلي: وحدة, صراع, وحدة في التعامل مع فصائل منظمة التحرير, على قاعدة عدم التفريط في الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني. وأن م. ت. ف هي مُنجز وطني جماهيري فلسطيني, تتوجب تفعيل مؤسساتها الدائمة وتطوير آليات فعلها وإصلاحها على أساس من المراجعة الفلسطينية الدورية الشاملة.الجبهة الشعبية وفي المنعطفات الفلسطينية الصعبة, حين كانت تتم الانشقاقات في التظيمات الفلسطينية الأخرى وبخاصة في حركة فتح, وحين سعى البعض لإنشاء تشكيل جديد مواز لمنظمة التحرير, وقفت بكل إصرار وتحد على منع هذا الأمر, باعتبار المنظمة الموجودة هي الإطار الجامع لشعبنا في كل مواقعه في الوطن والشتات، وهي الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا وفصائله. لها ميثاقها ودستوره, المتوجب النضال على أسسه وهديه. لذلك استمتنا في الدفاع عن الميثاق الوطني الفلسطيني بأشكال متعددة، حين ارتأى البعض إلغاء بعض بنوده الكفاحية انطلاقا من مقتضيات نصوص اتفاقيات أوسلو الكارثية. كما أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هي التنظيم الوحيد, الذي استقال أمينه العام المرحوم الرفيق الدكتور جورج حبش من منصبه، ليفسح المجال لغيره لهذا المنصب, وأنها التنظيم الوحيد الذي استشهد أمينها العام أبو علي مصطفى في الأرض المحتلة, وهي أول تنظيم أمينه العام الحالي, معتقل لدى العدو الصهيوني... وماذا بعد؟ ماذا بعد؟ تحية للجبهة في ذكرى انطلاقتها الخمسين. المجد والخلود لشهداء الثورة الفلسطينية.