[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
ثمة من يقول إن العرب تجاوزوا أربعمئة مليون، بعضهم يرى العدد أقل من هذا الرقم، وسواء صار العرب مليارا أو أقل، فإن الحكاية الأساسية التي يجب أن تروى هي قدرتهم على الفعل وعلى الإنتاج وعلى التحول من مجتمعات استهلاكية إلى إنتاجية، ومن اتكالية إلى دور رائد .. القضية ليست في العدد، بل في القدرة رغم توفر الإمكانية .. لكن في واقع العرب الحالي، وإذا ما استمر حتى لو بلغ المليار، فهو سيظل عالما ناميا، مستهلكا، في الوقت الذي يمكن للتوحد العربي أن يلعب دورا في غاية الأهمية في مستقبلهم وبالتالي في دورهم العالمي.
تنبئ الهند مثلا بتعدادها الذي تجاوز المليار، كم وصلت إلى الريادة .. من الجوع إلى الاكتفاء النسبي، ومن التردد إلى الحسم في جعل الهند قوة عالمية، ومن يقرأ كتاب "أمة من العباقرة" يرى كم بلغت الهند شأوا مهما رسم لها أن تكون جزءا من عالم حاضر بقوة في بناء ذاته وفي خياراته، حتى أنه في كل مكان ناجح في العالم ستجد هنديا على رأسه، بل إن هذه الأمة المليئة بالنشاط والعمل، باتت موزعة في كل أقاصي الأرض، ومن النادر أن لا تكون هنالك طائرة متجهة إلى أي مكان في العالم إلا وكان ثمة هندي عليها .. ومن حميمية العلاقة بين الهندي وبلده، أنه يظل ملتزما بها على كل الصعد مهما بلغ من تقدم ومن مكانة ورفعة.
أما الصين، بمليارها والملايين الزائدة، فيبدو أنها ترعب الجميع وخصوصا الولايات المتحدة .. تلك الدولة العملاقة التي لم تزل على أفكارها الماركسية، إلا أنها قامت بتطويع أفكارها فجعلتها نمرا في سوقها، فإذا بها دولة تصنع كل شيء، وكلمة كل شيء قليلة عليها لأنها تجاوزت حتى هذا التعبير بكثير، فليس اليوم في السوق العالمي سوى الإنتاج الصيني وتحار من أين تأتيه لأنه يدخل في كل حيثيات الإنسان وحاجاته وصولا إلى الصناعات التي لا يمكن إلا أن تكون صينية المنشأ منذ أن يتم التعرف عليها. كل ذلك ولم تزل الصين تتكئ على ثقافتها التاريخية وعلى مخزونها التراثي، وكلما نجح الصينيون في تلك المهارات العالمية، أعادوا سر نجاحهم إلى التزامهم الواثق بتراثهم الحضاري الذي يعتبر من عمر الإنسان الصيني.
والبرازيل على تقدم، والروس عادوا إلى الطليعة العالمية بعدما خاضوا تجربة الخروج على الماركسية اللينينية وكادوا أن يخسروا التاريخ والحاضر، لكن الدول المؤسسة على ثقل تاريخي حضاري ثقافي ودفء في الفكرة الإنسانية، سرعان ما تعود البوصلة إلى اتجاهها الناجح والمميز.
وحدث ولا حرج عن الولايات المتحدة العملاقة في كل إنتاج صفير وكبير، وأوروبا التي تسعى لأن تظل بين تلك الأمم الرائدة .. فمتى يقفز العرب ليصبحوا رقما مميزا في عالم الإنتاج والسوق، وهم من كانوا يوما أس حضارة عظيمة .. فمتى تتحول تلك الملايين من الأمة المتفرقة إلى أمة واحدة، ومتى تصبح كيانا معترفا بقدراته الإنتاجية في شتى الحقول، وفيه الكثير من العقول التي يؤسفنا القول إنها توظف نفسها خارج إطارها القومي .. كان العرب المسلمون في الأندلس مدرسة حضارة للغرب، منها نهل الغربيون جل أفكارهم الأولى التي أسسوا عليها لاحقا تجارب مكنتهم من هذا الازدهار ومن الرخاء ومن الوصول إلى الأهداف التي وضعت بإتقان وتصميم.