[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” .. في زمن الصورة وفي عصر القرية الكونية وفي ظل الطفرة التكنولوجية الهائلة والتطور الحاصل في مجال ووسائل الاتصال بات الإنسان محيطا وملما بما يدور في كل ركن من أركان المعمورة من أحداث وأخبار يؤثر ويتأثر بها سواء أكانت خيرا أم شرا يسعد بالسعداء المحظوظين ويتألم مع المتألمين (فالنفس التي لا تتألم لا تستطيع أن تحلق في سماء الإنسانية) و(ألم النفس يضني أكثر من ألم الجسد) . ”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في اللغة : ألم ألما : حصل له وجع فهو أَلِم، وآلمه إيلاما : أوجعه، وتألم توجع، والألم الوجع الشديد. والألم مصدره مرض أو فساد أو كارثة أو شلل ... فجسم الإنسان المحكوم عليه بالشيخوخة والموت في نهاية المطاف يظل عرضة للأمراض المتعددة والحوادث المختلفة التي قد تسبب له كسرا أو كدمة أو جرحا في جزء أو عضو من أعضاء هذا الجسم، والعقل الذي يتميز به الإنسان وبنوره الهادي إلى الرشاد، عد إنسانا مكلفا ومسئولا، يتعرض لأسباب وراثية أو ضغوط حياتية أو عيوب خلقية أو مصائب مزلزلة أو حوادث مرورية يصعب تحملها للجنون أو الخبل أو البلادة، ورفقاء الإنسان وأحباؤه وأعزاءه معرضون كذلك للأسقام والحوادث والنكبات وقد ينتهي بهم الحال إلى الموت، والأمة والوطن والعقيدة والقيم تواجهها تحديات كثيرة لأسباب داخلية وخارجية، فتن وتخلف وجهل وفقر وغزو ينفذه عدو طامع وحكم مستبد وإهمال وظروف وحوادث وكوارث طبيعية وأنماط وثقافات دخيلة، وهي جميعها تسبب آلاما للإنسان ... والإنسان بما أوتي من مشاعر مرهفة وجسم حساس وأحاسيس رقيقة وضمير حي وعقل مدرك يتأثر بمصائبه وبمصائب إخوانه ويتجاوب سلبا وإيجابا مع الأحداث والأوجاع المحيطة به وبغيره محليا وإقليميا وعالميا، وفي زمن الصورة وفي عصر القرية الكونية وفي ظل الطفرة التكنولوجية الهائلة والتطور الحاصل في مجال ووسائل الاتصال بات الإنسان محيطا ملما بما يدور في كل ركن من أركان المعمورة من أحداث وأخبار يؤثر ويتأثر بها سواء أكانت خيرا أم شرا يسعد بالسعداء المحظوظين ويتألم مع المتألمين (فالنفس التي لا تتألم لا تستطيع أن تحلق في سماء الإنسانية) و(ألم النفس يضني أكثر من ألم الجسد) . وعاقبة الظلم والعدوان العذاب الأليم كما جاء في أكثر من آية قرآنية (فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم) و (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) فالعذاب مرتبط بالألم، إذ كيف يكون عذابا إذا لم يفضي إلى مرحلة الشعور بالألم ؟ وفي الحديث النبوي الشريف (وإن أمتكم هذه جعل عافيتها - سلامتها من الفتن - في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها)، وقد تعددت آلام النفس في عصر الصورة التي تفنن صناعها في تجسيد ونقل تفاصيل معاناة وآلام الإنسان، واتسعت مصادرها وأسبابها مع تطور ثقافة الخبر التي تميزت بالدقة والسرعة والتحليل والتفصيل، ومع التطور الشامل الذي أصاب مناحي الحياة ودقائقها من جانب وما صاحب ذلك من تعقيدات ومتطلبات مرهقة ومن ملوثات واختناقات من جانب آخر شكلت تحديات ومصاعب وضغوطا مؤلمة على الجسم وعلى العقل وعلى النفس. ويشكل الألم مصدر كدر وإزعاج للكائن الحي إذ تصبح الحياة بوجوده قاتمة وملولة والأحاسيس مثقلة بالأوجاع مسكونة بالقلق والدقائق بطيئة في حركتها وما كانت لتصبح كذلك لولا الألم، والليل يتحول إلى كابوس يأبى أن يخلع ردائه الأسود فيسلم القيادة لنور الفجر (ما أطول الليل على من لم ينم) والنوم لا يجافي شخصا سليما معافى من الألآم والأوجاع خلوا من الهموم والأكدار ولكنه يستعصي على الشخص المتألم المهموم المعتل ف(دقيقة الألم ساعة، وساعة اللذة دقيقة) الفراق، المرض، الهم، المصيبة تتعدد الأسماء والنتيجة واحدة ألم في النفس أو في الجسد أو في الروح. مكان الألم وزمانه ومصدره ونتائجه وعمقه تختلف باختلاف الأسباب، والألم درجات بين الشدة والضعف، منه ما تتحمله النفس فتسكنه المهدئات وتهدئه المسكنات ومنه ما تستسلم له وتكون النتيجة شلل أو موت ... وما تراه العين من تزييف للحقائق ومن صور للظلم ومن مناظر للانحطاط الأخلاقي ومن مشاهد للمعاناة التي يتعرض لها الإنسان في عالمنا الثالث وبالأخص في عالمنا العربي والإسلامي تشكل أعلى درجات الألم الذي تشعر به النفس، وأي نفس لا تستشعر معاناة الناس الأبرياء الضعفاء الذي تسلب حياتهم وتنتهك كرامتهم وتغتصب حقوقهم وتعذب أجسادهم دون وجه حق، يحدث ذلك عمدا وقصدا أو على سبيل الاشتباه والانتماء في سلوك يجسد انحطاطا أخلاقيا وتعسفا بالقوانين والحقوق الشرعية واستهتارا بالنفس الإنسانية التي كرمها رب العزة فمنحها أعلى درجات التكريم (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ...)، صور المعاناة الإنسانية متعددة، وتفاصيل هذه المعاناة ومشاهدها المحزنة تنتقل عبر الفضائيات إلى المنازل والساحات والمنشآت والأماكن العامة وقد فرضت فرضا على الإنسان تلاحقه أينما حل وارتحل تضاعف من آلامه، ولا يبقى أمام المؤمن المتفاءل بغد أكثر إشراقا إلا التشبث بالمزيد من الأمل والجلد والتحمل والتمسك بحبال الصبر في مواجهة هذا السيل المنهمر من الآلام.


[email protected]