[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
” لقد تحدث بعض الساسة في الولايات المتحدة من أنَّ التخلِّي الأميركي عن مجموعات (قسد) سيكون "خطأً استراتيجيّاً فادحاً، قد يحوِّل أكراد سوريا إلى روسيا طلباً للحماية أو قد يبحثون عن المصالح المشتركة مع النظام في دمشق". ومع هذا إنَّ الطرف الأميركي الذي رعى وتبنى حالة (قسد)، بدأت حساباتهِ تتغير، ويبدو أنه قد بدأ يضع حداً لصعود القوة الكردية في الشمال والشمال الشرقي السوري، ”

تسيطر وتدير قوات (قسد) الكردية الطابع، منطقة تتجاوز مساحتها الخمسين ألف كيلومتر مربع من الأراضي السورية في الشمال والشمال الشرقي من سوريا، مع تواجد أميركي عسكري محدود، وبوجود مطار الرميلان الذي تستخدمه القوات الأميركية في نقل الإمداد العسكري لمجموعات (قسد). ويتواجد في تلك المناطق، ثلاثة ملايين مواطن سوري يقيمون فيها، أقل من نصفهم من الأكراد السوريين.
في تلك المناطق، وقعت تحولاتٍ متتاليةٍ في العلاقةِ بين مختلف المجموعات والأطراف المحلية وحتى الإقليمية، حيث شَهِدَت وتشهد تلك المناطق حالياً ازدهاراً في ولادة التناقضات، وكان أخرها الحديث عن مصير مجموعات (قسد) الكردية، حيث بات مصيرها تتقاذفه السياسات الإقليمية على ضوء الموقف التركي الواضح والحازم منها، باعتبارها امتداداً لحزب العمال الكردستاني التركي الــ (ب كي كي) بنسخته السورية. فيما ارتأت واشنطن وعبر تحركها بفعالية كبيرة في أروقة جنيف الثامنة، العمل على ضمان تمثيل (قوات قسد/ قوات سوريا الديموقراطية)، على طاولة التسوية السياسية المفترضة، والمعلومات تُشير بأن مساعد وزير الخارجية الأميركية، ديفيد ساترفيلد، طلب من وفد المعارضة السورية في جنيف العمل على قبول ممثلين عن (مجلس سوريا الديموقراطية) بصفته الجناح السياسي لـ (قوات قسد/ قوات سوريا الديموقراطية)، ضمن الوفد الموحّد الذي نَتَجَ عن اجتماع (الرياض 2). بينما مازال الموقف الروسي على حاله، ومتقاطعاً مع الموقف التركي بشأن مجموعات (قسد)، حيث ترى موسكو أنَّ الهيئات المحلية التي تعمل على إنتاجها الحركة الكردية ومجموعات (قسد) في مناطق سيطرتها وبدعمٍ أميركي تُهدد بتقسيم سوريا، لذك بادرت مجموعات (قسد) مؤخراً للتقرب من موسكو لتوضيح مواقفها ورؤيتها التالية بعد الانتهاء من تنظيم داعش.
الموقف الأميركي بشأن مصير مجموعات (قسد) في المرحلة التالية من الانتهاء من تنظيم داعش، يأتي مع ارتفاع حدة التوتر بين تركيا وتلك المجموعات الكردية في محيط مدينة عفرين شمال حلب، خاصة بعد اتهام الجيش التركي لتلك الوحدات بمهاجمة نقاط المراقبة التي سبق أن أنشأها في ريف حلب الغربي. وعلينا هنا أن نلحظ بأن العلاقات الأميركية التركية ذات العمق التاريخي وحتى الاستراتيجي، وحساسية الأتراك من الموضوع الكردي، كما هي حساسية باقي الأطراف في المُربع المشار اليه أعلاه، كل هذا لم يكن ليُشجّع واشنطن على السير أكثر من ذلك في تبني الحالة الكردية السورية المخلوطة مع حالة كردية عراقية وتركية، وحتى عربية، في إطار مجاميع (قوات قسد)، بل دفَع واشنطن لبناء تحالف تكتيكي مؤقت، ومُعلن عنه وعن وظيفته، ضمن الأفق البراجماتي الذي تسير عليه الولايات المتحدة في زواريب الأزمة السورية وتداخلاتها الهائلة، الإقليمية والدولية. فمصلحة الولايات المتحدة مع أكراد سوريا ليست دائمة ولا استراتيجية، كما هي مع أكراد العراق، وقد حاولت واشنطن إقامة نوعٍ من التوازن بين حليفيها تركيا ومجموعات قسد، ففِي سوريا يوجد أقل من (1000) جندي أميركي جاؤوا لمهمة مُحددة كما تقول واشنطن، مهمة تتمثل بالسعي للقضاء على تنظيم الدولة (داعش)، وهؤلاء يُمكن سحبهم في يومٍ واحد بعد إنجاز مهمتهم، بينما دخلت الولايات المتحدة إلى العراق بـ (150) ألف جندي، ولدِيها قواعد عسكرية ضخمة في المناطق الكردية شمال العراق.
مجموعات (قسد) وهي في واقع الأمر ميليشيات عشائر الأكراد، مع بعض المقاتلين العرب من أبناء تلك المنطقة، لعِبَت دوراً في مسار الأحداث السورية، وكانت في بوتقة الاستخدام من قبل العديدِ من الأطراف وخاصة الولايات المتحدةِ الأميركيةِ، وقد باتت الآن أمام مصيرٍ واحد عنوانه "إحالتها على التقاعد"، لذلك بادر عددٍ من قياديها للحديث عن إمكانية إنضمام تلك المجموعات للجيش السوري النظامي، كما غادرها الناطق باسمها طلال سلو الى تركيا.
قيادات مجموعات (قسد) أو ماباتت تُعرَف بــ (قوات سورية الديمقراطية) سَبَقَ وأن تم إبلاغهم من قبل الطرف الأميركي "أن لا أسلحة ثقيلة بعد اليوم"، و"أن عليهم إعادة ما بحوزتهم منها، والتفاهم مع العرب لتسليمهم إدارة المجالس المحلية في مناطقهم". حيث أكَّدَ الناطق العسكري باسم البنتاجون (إريك باهون)، تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تلقيهِ تعهداتٍ من نظيره الأميركي دونالد ترامب بشأن تفكيك مجموعات (قسد)، وبأنه أصدر تعليمات بعدم تقديم أسلحة إلى المقاتلين الأكراد الذين تعتبرهم أنقرة تهديداً. ولفت الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديموقراطي شاهوز حسن، إلى أنهم "لا يستبعدون فرضية أن القوات الأميركية لا ترغب في مساعدة الكرد حتى النهاية"، وأنها قد تحاول إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب، مضيفاً أن ذلك يدفعهم إلى الاعتماد "على القوات الذاتية". الحذر الكردي تجاه هذه النقطة يأتي مصحوباً بتأكيد أنَّ الفترة المقبلة ستشهد مفاوضات مع الحكومة السورية، بوساطة روسية، وهو مايُفسّر الآن وجود تعاون روسي مع مجموعات قسد.
لقد تحدث بعض الساسة في الولايات المتحدة من أنَّ التخلِّي الأميركي عن مجموعات (قسد) سيكون "خطأً استراتيجيّاً فادحاً، قد يحوِّل أكراد سوريا إلى روسيا طلباً للحماية أو قد يبحثون عن المصالح المشتركة مع النظام في دمشق". ومع هذا إنَّ الطرف الأميركي الذي رعى وتبنى حالة (قسد)، بدأت حساباتهِ تتغير، ويبدو أنه قد بدأ يضع حداً لصعود القوة الكردية في الشمال والشمال الشرقي السوري، وإحداثِ نوعٍ من التوازن الــ "العربي ـــ الكردي" في تلك المناطق التي تتواجد فيها قوات أميركية وتسيطر فيه على مطار الرميلان في أقصى زاويةٍ من الحدودِ السوريةِ التركيةِ العراقيةِ، وطمأنة تركيا التي تتوجس طموحاً ومشروعاً كردياً انفصالياً معادياً انطلاقاً من تلك المناطق. ولنا هنا أن نرصد تزايد مؤشرات تخلي التحالف الدولي عن مجموعات (قسد) خلال الأسابيع الماضية مع تصاعد وتيرة التهديدات التركية حول عملية عسكرية وشيكة لمحاصرة مدينة ومنطقة عفرين شمال مدينة حلب والملاصقة للحدود مع تركيا، والتي ترتع وتصول وتجول فيها مجموعات (قسد).
أما على الضفة الثانية، والمُتعلقة بمعارك ريف حلب الشمالي، وتحديداً معركة (عفرين) التي يجري الحديث عنها الآن، والتي تلوّح بها تركيا، حيث تُسيطر مجموعات (قسد)، فإن مُختلف المتابعين والمراقبين، يعتقدون بأن إضعاف القوة المسلحة للأكراد مفيد لكل من أنقرة، ولدمشق، والاحتمالات تُشير هنا لإمكانية قيام تركيا بعملية عسكرية جديدة في تلك المنطقة تحت عنوان (سيف الفرات) هذه المرة. فالقوات التركية تخطط للتقدم نحو مدينة (تل رفعت) ومطار (منَّغ) العسكري اللذين تُسيطر عليهما الوحدات الكردية (قوات قسد)، وقد رُصدت حالات إطلاق النار متواترة بين القوات التركية وقوات قسد في المنطقة.
وخلاصة القول، وكما تؤكد التجارب التاريخية للحركات الكردية في المنطقة، إنَّ واشنطن في النهاية سوف تسعى لتخفيف دعمها للمجموعات الكردية في تلك المناطق، حفاظاً على علاقاتها مع القوةِ الإقليمية الأساسية المتمثلةِ بتركيا، وبالتالي ستكون المفاضلة أمامها بسياسة التوازن في هذا الموضوع، وفي وضعِ حدٍ لجموح بعض الأطراف الكردية ومنها مجموعات (قسد).