[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
لو سألت المطربة فيروز عن أغنيتها " القدس العتيقة "لقالت تلك التي تحكي فيها أنها مرت في شوارعها أمام الحوانيت التي بقيت من فلسطين، وتصل إلى اللحظة التي يتقدم فيها أناس من القدس يقدمون لها مزهرية قائلين إنها من الذين ينتظرون شيئا ما لاتقوله الأغنية، ويمكن لنا أن نتصوره على شكل العودة أو التحرير ..
ثمة من ينتظر، والانتظار صعب ومرهق للبنية والأعصاب، لكن الفلسطينيين لايملكون غيره في زمن ليس لمصلحة القضية الفلسطينية كما يبدو الجو العربي.
ينتظرون .. يدونون في الكلمات كلمات تشتعل غضبا، ومكانهم ليس صامتا .. القدس مدينة تفهم الكلام، تعنيها حروفه، تعرف كم حب العرب والمسلمين لها، وكم يمكن من الدماء أن تسيل من أجلها، وقد سأل عبر التاريخ، بل هو كأنه لم يتوقف.
عندما غنى عبد الحليم حافظ القدس أيضا رسم ملامح عذاب سيدها المسيح وسيدنا جميعا .. قال من بين كلمات أغنيته " على أرضها طبع المسيح قدمه / على أرضها نزف المسيح ألمه " . الشاعر الكاتب لهذه الأغنية عبد الرحمن الأبنودي، قرأ جيدا صورة المسيح في تلك اللحظات التي تم تعذيبه فيها ، لكنها القدس التي احتضنته.
والرسول العربي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم سرى إليها ليقول أهميتها في الإسلام، وهي جوهره، أليست أولى القبلتين .. ثم ألم يأتها الخليفة عمر بن الخطاب ليوقع العهدة من أجل أن يضمن أمنها واستقرارها وفجرها الإسلامي الجديد.
اللافت أيضا أنها كانت الهدف الأول للصليبيين أو الفرنجة، كما هو الصحيح في تعريفهم .. الصحيح أنهم جاؤوا تحت الرغبة في الحصول على كنوز الشرق، كما تقول التواريخ، وليس فقط لأسباب دينية .. كانوا كغيرهم يعرفون أيضا أن المنطقة ذات موقع جغرافي خطير وأن العرب فيها يشكلون وحدة لو تلاقوا، وأنهم قادرون على لعب دور يمكن أن يغير وجه الأرض.
لنتصور مسلسل حياة القدس وما مرت فيه، هي فترات قصيرة من الهدوء .. حتى وصلتنا زمنا، ثم هاهي محتلة لكنها ليست عاجزة .. لايعلم محتلها أن في المدينة المقدسة لعنة لن يطول الوقت حتى يتم اكتشافها. هو يتأمل بطائراته المتطورة وبجيشه المسلح حتى أسنانه ، لكنها لن تشكل حدثا عندما تحين ساعة دفعه الثمن.
وينتظرون ، صحيح أن الانتظار مضن، لكنه ممتزج بالغضب وبالتهيئة وبالحشد وبكلمات السر المكتوبة من روح القدس. ليس هنالك انتظار فارغ من مضمونه، هو مركب على الكلمات، وبعدها إلى الجحيم ياإسرائيل.
لهذا قالت فيروز في أغنيتها الأخرى عن القدس إن " الغضب الساطع آت " ولسوف " نمر على الأحزان"، ولتكمل " من كل طريق آت " .. تلك هي لغة الجموع التي يتم صناعتها باتقان من يعرفون.
هو الصراع الذي لم ولن يتوقف إذن .. ينبغي أن يقال إن " الدماء التي تجري في عروقنا هي وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها". شيء يشبه القسم لمن لايعرف بنية الروح التي تجعلها القدس جاهزة من أجل يومها المنتظر .. والكل ينتظره، فعلى أبواب فتح التاريخ على قاعدة التحقق، سوف لن يطول بقاء البرابرة الجدد ..
لها المجد تلك المدينة التي تكبر كل يوم، وتزداد ألقا، وملايين من الهتاف باسمها يتكرر كل لحظة ودقيقة.
وستبقى كل الأيام يومها ..