[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
مر الوعي الغربي بالإسلام بالعديد من المحطات، ابتداءً من الارتطامات الأولى مع البيزنطيين على عصر الفتوحات المبكرة، وانتهاءً بما تشوب صورة الإسلام والمسلمين اليوم من تشويهات وحرف بسبب ما فعله السفهاء والإسلاميون الجدد الذين أطلقت عليهم عنوان Neo-Muslims في آخر كتبي المنشورة في الولايات المتحدة الأميركية؛ وهم مسيسو الإسلام ومحيلوه إلى دين ساديين لا يستريح معتنقوه إلا بصور فظيعة من سفك الدماء.
لا حاجة لنا للإطناب في هذا التشويه، ولكن ثمة حاجة تربوية واعتبارية لمراجعة الصفحات المشرقة من تاريخ الوعي الغربي بالإسلام، عبر محطاته الرئيسة. لذا توجب على المتخصص أن يعزل اسم واشنطن إرفنج Washington Irving (1783-1859)، أبو الأدب الأميركي، بوصفه محطة أساس على سكة تطور فكرة العالم الغربي بالإسلام والمسلمين.
لقد أرسل إرفنج من قبل الحكومة الأميركية بعد فترة وجيزة بعد الاستقلال من الاستعمار البريطاني، سفيرًا لأميركا في مدريد. وقد لبت تلك السفارة حلمه الشخصي الأساس في تتبع جذور دولته الفتية، والعالم الجديد بأسره، إلى "الإنسان الأميركي الأول"، أي كريستوفر كولومبس Columbus مكتشف أميركا، حسب الأسطورة الأميركية، حيث انطلق أسطول كولومبس من أرض نصف مسيحية ونصف مسلمة، أي إسبانيا حقبة ذاك. وقد تأكد كولومبس من أن عليه أن يصطحب معه رجلًا مغربيًّا Moor يتكلم العربية، لأنه كان يعتقد بأنه عندما يكمل "دائرية الأرض" عند الوصول إلى الهند من خلال الإبحار غربًا عبر المحيط الأطلسي، فإنه سيكون بحاجة ماسة إلى مترجم يتكلم اللغة العربية، ظانًا أن الهنود يتكلمون العربية. لذا كان اهتمام إرفنج بالأندلس وبكولومبس مبعثه شعور قومي أميركي حاث على البحث عن الجذور.
عندما وصل كولومبس إسبانيا، هالته الآثار الشاخصة للبقاء العربي الإسلامي، لثمانية قرون في شبه جزيرة إيبريا. كانت تلك صدمة ثقافية من العيار الثقيل جعلته يحاول أن يؤرخ لتاريخ فتح الأندلس، فكتب العديد من التواريخ حول هذا الموضوع، ومنها (فتح إسبانيا) The Conquest of Spain، لتورخة احتلال المسلمين إسبانيا بقيادة طارق بن زياد؛ وكذلك (فتح غرناطة) The Conquest of Granada، لتورخة خروج المسلمين من الأندلس وسقوط غرناطة. وقد خص إرفنج (الحمراء) بواحد من أفضل كتبه The Alhambra.
وإذا كانت عناية أبي الأدب الأميركي بالأندلس ذات بعد قومي أميركي، فإنها قادته إلى التعمق في تاريخ العرب والإسلام، فكتب تاريخيًّا رائعًا للإسلام بعنوان (محمد وخلفاؤه) (1849ـ1850) Mahomet and his Successors بجزأين. يبدأ الجزء الأول من قصة الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) وبداية الرسالة، إلى نهاية خلافة الإمام علي (كرم الله وجهه). أما الجزء الثاني، فيبدأ مع بداية الخلافة الأموية وينتهي بخلافة عبدالملك بن مروان.
والحق، فإن عنايته بتاريخ الخلافة الأموية تنبع من حقيقة مفادها أن مؤسس الملك العربي الإسلامي في الأندلس، صقر قريش، كان من السلالة الأموية، إذ هرب خوفًا من إبادة العباسيين إلى الأندلس، فأطلق الإسلام في أوروبا مذاك.