تشير إحصائيات الهيئة العامة للدفاع المدني والاسعاف إلى أن عدد بلاغات الانقاذ المائي خلال الاعوام 2011- 2014 بلغت مرتبة: ( 99- 109- 292- 150)، وبلغ عدد الاصابات والوفيات في العامين 2013- 2014 مرتبة : ( 19 إصابة و 41 حالة وفاة )، و ( 33 إصابة و 34 حالة وفاة)، كما بلغت أعدادها حسب نوع الحادث من حيث: سقوط/ انتشال أشخاص من مصادر مائية في العامين 2013 و2014 مرتبة كالتالي: ( أودية (232/86)، بحار(16/17)، أفلاج (1/1)، عيون(2/2)، أحواض(2/0)، مستنقعات(2/2)،آبار(11/10)، سدود(6/5)، صرف صحي (6/6)، كما تشير أيضا إلى أن عدد حالات الاسعاف التي تم التعامل معها حسب أماكن حدوثها، قد بلغت في البحر (26) حالة، وفي أماكن الترفيه والرياضة (79) حالة، ومع ذلك فإن هناك الكثير من الحالات التي تعامل معها المواطن بصورة مباشرة بدون طلب تدخل جهات الاختصاص، في ظل تزايد حالات الغرق لدى الأطفال والكبار، التي تحدث بين فترة وأخرى سواء في أثناء السباحة في البحر أو الأودية العميقة المتواجدة في بعض ولايات السلطنة، ونتج عنها حدوث وفيات وإصابات لم تتضمنها احصائيات الهيئة، مع الإشارة أيضا إلى أن إحصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، لم تبرز بشكل صريح ومستقل عدد الحالات الناتجة عن الغرق وأعداد الاصابات منها أو الوفيات، وهو أمر يؤكد الحاجةإلى إعطاء هذا الموضوع أهميته في الرصد الاحصائي الوطني في الفترات القادمة؛ لما تشكله من أهمية للجهات المختصة والباحثين والمواطنين، في تعزيز عمليات التوعية والتثقيف المجتمعي، وبناء برامج التدريب المناسبة، واحتياطات الوقاية السلامة العامة، أو خطط الانقاذ في التعامل مع هكذا حالات.
على أن المؤشرات الاحصائية وواقع حالات الغرق ترجع أسبابه، إلى ضعف ثقافة السباحة في المجتمع، وضآلة معرفة الكثير من أبنائه بعادات السباحة أو مهاراتها، وفي الوقت نفسه تدني امتلاك المواطنين الحاضرين للموقف ( حالة الغرق)،على التعامل معها مما ينتج أيضا حصول حالة غرق أخرى للشخص الذي حاول انقاذ الغريق السابق، وبالتالي تستدعي مسألة انتشار مثل هذه الحالات بشكل دوري خاصة في أوقات الاجازات؛ أهمية البحث عن آليات للحد منها، وبناء ثقافة وطنية تبدأ بتعويد الأطفال وهم في سن التعليم المدرسي على عادات السباحة وثقافتها ومهاراتها وتعليمهم منهجياتها، وآلية انقاذ الغريق، والأدوات التي يحتاجها من يرتاد الأماكن المائية، بالشكل الذي يمنحه فقه عادة السباحة، ويضمن قدرته على التعامل مع مواقفها بكل مهنية، والعمل على تعزيز إيجاد مراكز متخصصة ذات كفاءة عالية في تدريب وتعليم فنون السباحة ومهاراتها ، وتمكين انتشارها في مختلف الولايات والمحافظات، عبر تنفيذها برامج متخصصة تتخذ حزمة تطويرية ممتدة في توعية المجتمع المحلي والطلبة في المدارس وعبر مختلف الوسائل الاعلامية والمنشورات وشبكات التواصل الاجتماعي والواتس أب ، بآليات التعامل مع الغريق، والمستلزمات الضرورةالتي يحتاجها السائح عند ارتياد هذه الأماكن، والأدوات الوقائية في التعامل مع حالات الغرق، بالاضافة إلى دورات تدريبية مستمرة حول الاسعافات الأولية في إنقاذ الغريق، والاجراءات الوقائية من الغرق في الأماكن العميقة ، والتوعية المستمرة لمحبي الرحلات والمغامرات البحرية والمائية ، خاصة مع وضع هذا النشاط ضمن أنشطة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
هذا الأمر أيضا، يضع الجهات المختصة كوزارة السياحة ووزارة البلديات الاقليمية وموارد المياه ووزارة البيئة والشؤون المناخية وغيرها، أمام مسؤولية العمل على تعزيز جوانب السلامة العامة في المناطق المائية والبحرية، في الأودية والبرك المائية والأحواض والمستنقعات عبر توفير السياج المناسب لها، والتعليمات الارشادية التحذيرية، والتعريف بالمتطلبات الوقائية المفترض تحققها من الشخص الذي يرغب في السباحة في هذه الأماكن، ووضعها في أماكن واضحة وبآليات متعددة ومبتكرة، بالشكل الذي يعزز لدى السائح مساحات الأمان والحذر والحرص،بما يحفظ حياة الإنسان وأمنه وعدم تعريضها للخطر،قبل إقدامه على ممارسة الفعل ذاته، وبما يضعه أمام معرفة واضحة بنتائج هذا السلوك،ويمكن في هذا الشأن العمل علىتواجد فريق متنقل من الهيئة العامة للدفاع المدني والاسعاف، يقوم بدور التوجيه والتدريب والرقابة في الأماكن المائية في فترات محددة ، كالإجازة الاسبوعية أو الإجازات الدورية الوطنية المعروفة، أو في فترة الصيف كحالة طوارئ مساندة، في التعامل مع الحالات الغرق، وبناء ثقافة أساسية في كيفية السباحة ، والمخاطر المتوقعة في تلك الأماكن وآليات التصرف والتعامل معها.
من هنا وفي ظل تعدد المسوغات الداعمة لهذا التوجه، تأتي الحاجة إلى اعطاء الموضوع مساحة أكبر في التفكير المجتمعي، والاهتمام المؤسسي، والبرامج الاعلامية والتوعوية والأمنيةوالوقائية الوطنية، لبناء ثقافة السباحة وتعميق حضورها في المجتمع والتعامل بمهنية مع حالات الغرق والانقاذ.. فهل سنشهد تحولات قادمة تقرأ هذا الملف في واقع السلوك الاجتماعي، وتعمل على تأطيره وتقنينه وفق أطر تشريعية وبرامج تنظيمية متخصصة، للحد من حالات الغرق التي غيبّت حياة الأبرياء من أطفال هذا الوطن وشبابه ؟

د. رجب بن علي العويسي