إن ارتفاع دوامة العنف والإجرام من قبل آلة ألحرب الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل بعد قرار الولايات المتحدة الاعتراف بمدينة القدس المحتلة عاصمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، لن يغير شيئًا من معادلة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي؛ فالعنف والإجرام ومعهما جرائم الحرب التي يمارسها المحتلون الإسرائيليون راهنًا لطالما كانت وسائل إرهاب وقمع إسرائيلية لإثناء الشعب الفلسطيني عن المطالبة بحقوقه والسعي لاستعادتها، فهي وسائل ليست بجديدة، كما لن تكون الأخيرة، لكنها أيضًا لن تثمر لصالح العنف والظلم والاحتلال والإرهاب.
فطوال سبعة عقود يُسام الفلسطينيون شتى صنوف العذاب والإجرام والقتل والتهجير، وهي لا تقل في إجرامها ـ لا من حيث الفعل ولا من حيث الوصف ـ عن جرائم النازية، بل إن المحتل الإسرائيلي ـ الذي أخذ يبتز ألمانيا بدعوى التعويض عما تعرض له اليهود في زمن النازية ـ تفوَّق على كل مجرمي الحروب والعصابات الإرهابية الإجرامية التي وثَّق التاريخ جرائمها، وبالتالي فإن الشعب الفلسطيني يثبت أنه شعب جبار وصامد وقادر على اجتراح الوسائل الممكنة للدفاع عن نفسه، والتي تجعل عدوه المحتل أمام حالة استعصاء وتقهقر أمام مشروعه التصفوي للقضية الفلسطينية. وما كان يراه المحتل الإسرائيلي ممكنًا ثبت له بالدليل اليقيني والعملي أن الشعب الفلسطيني عوده صلب غير قابل للكسر، مهما خانته الظروف المحيطة به، ومهما ساندت القوى المتحالفة استراتيجيًّا مع كيان الاحتلال الإسرائيلي حليفها، فكل يوم تتعزز ثقافة المقاومة، والصمود والمواجهة، لدى الشعب الفلسطيني، والإيمان بالحق والتمسك به تتسع مساحته بتوالي الأجيال الفلسطينية، وأن هذا الحق عائد لا محالة ما دام وراءه مطالب.
إن المنظمات والهيئات الدولية على مختلف مستوياتها ومسؤولياتها وصلاحياتها وخاصة منظمة الأمم المتحدة أمام تحدٍّ حقيقي لجهة أنها القوة القانونية والسياسية التي كانت معارك اغتصاب الحق الفلسطيني والنضال لاستعادته تخاض على ساحاتها وداخل أروقتها، وعملت جاهدة على أن تنصف الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بقراراتها، لكنها ـ للأسف ـ تخلت عن أدوارها ومسؤولياتها وصلاحياتها، فغدت رهينة، بل أصبحت مغتصبة الحقوق وحالها أشبه بحال الفلسطينيين، تتحكم فيهما بعض القوى الكبرى المتحالفة استراتيجيًّا مع كيان الاحتلال الإسرائيلي والمنحازة معه بالكلية، وضد حقوق الشعب الفلسطيني؛ لذلك بات في حكم المؤكد والثقة التامة أن الرهان على منظمة الأمم المتحدة في الوقت الحالي لن يكون ذا جدوى ما لم تكن هناك ظروف تساعد المنظمة الدولية من جهة، وتزيل الغشاوة وتوعي القوى المنحازة ضد الحقوق الفلسطينية، وتجعلها تنظر إلى الواقع الفلسطيني وإلى الصراع العربي ـ الإسرائيلي بعينين اثنتين وليس بعين واحدة، وهي عين الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى. إن الهبة الشعبية الفلسطينية التي تعم سائر فلسطين المحتلة تؤكد أن الشعب الفلسطيني لا يمكن أن تحبطه المؤامرات ولا تثنيه عن تمسكه بحقوقه، وأن حملة التضامن التي تعبِّر عنها التحركات الشعبية التضامنية والمستنكرة للقرار الأميركي الجائر التي تشهدها عواصم العديد من البلدان العربية والإسلامية وغيرها من البلدان بما فيها الولايات المتحدة الأميركية ذاتها ـ خاصة أن هذه التحركات الشعبية معززة بمواقف رسمية رافضة ومنددة بالقرار الأميركي ـ تؤكد أن القضية الفلسطينية تعيش في وجدان وضمائر ليس أبناء الأمة العربية والأمة الإسلامية فحسب، بل وفي وجدان وضمائر شعوب العالم، وهو ما يعزز من ثقة الفلسطينيين في نفوسهم ويشد من عزمهم، ويؤكد صوابية نهجهم المقاوم للظلم والاحتلال، وعلى الجانب الآخر من المحتلين الإسرائيليين وحلفائهم وأتباعهم أن يعوا أن الأرض المغتصبة عائدة لأصحابها، كما أن السلام والاستقرار والأمن في صف محبيه وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني المقاوم.