لا يزال العالم يغمض عينيه عن إرهاب الدولة الذي يمارسه كيان الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وللأسف لا يريد أن يفتح ولو عينًا واحدةً لرؤية هذا الواقع المرير المفعم بالمآسي وجرائم الحرب والانتهاكات التي لا حدود لها للقوانين الدولية، بل إن هناك تأييدًا واضحًا لتلك الجرائم والانتهاكات من قبل قوى في هذا العالم ممن تتحالف سرًّا وعلانيةً مع كيان غاصب أثبت طوال العقود ـ التي واكبت ظهوره المسخ في واجهة الأحداث ـ أنه كيان ليس كيانًا احتلاليًّا فحسب، وإنما كيان إرهابي بامتياز.
وما يندى له الجبين أن هذه القوى في الوقت الذي تعلن فيه محاربتها الإرهاب بشتى صوره وتفرض العقوبات بحق دول تحت طائلة اتهامات بدعم الإرهاب، تدعم إرهاب الدولة في كيان الاحتلال الإسرائيلي وتدافع عنه بشتى الوسائل والسبل وتزنه بموازين كاذبة ومنافقة؛ موازين "حق الدفاع عن النفس" للمحتل، مبررةً جرائم الحرب والقتل والانتهاكات للقوانين والشرائع التي يرتكبها مجرمو الحرب الإسرائيليون بحق الشعب الفلسطيني، وتحرم في مقابل ذلك على الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال هذا الحق بالوسائل المشروعة أو حتى مجرد اللجوء إلى الجهات الدولية المخولة الدفاع عن الشعوب، وإن تمكن الفلسطينيون من الوصول إلى تلك الجهات أو المنظمات الدولية فإن الفيتو جاهز، وأساليب التحريض والدعاية والتلفيق والكذب سيقوى فتيلها وسيتولى الإعلام الصهيوني وحليفه الغربي هذه المهمة.
إن مع أولى الخطوات الجادة نحو البحث عن أسباب انتشار ظاهرة الإرهاب وخاصة في منطقتنا سيكتشف العالم أن هناك أشكالًا من الظلم لحقت بشعوب عديدة بسبب عنصرية مقيتة تجتاح الفكر السياسي الغربي وبخاصة تجاه مصالح العرب وحقوقهم وفي طليعتهم الشعب الفلسطيني الذي يهدد اليوم ليس بالتصفية الجسدية فقط، بل باجتثاثه وقضيته، وتكال له صنوف الهوان والإرهاب بأيدي جيش الاحتلال الصهيوني وقطعان المستوطنين الذين يجثمون على أرضه ويقتلون أطفاله ويقتلعون أشجاره ويجرفون أرضه ويستهلكون مياهه ولا يتركون له من أسباب الحياة شيئًا، ثم نجد بعد ذلك رئيس أكبر قوة على الأرض يدين اختفاء ثلاثة من قطعان المستوطنين وموتهم ـ وحسب الرواية الإسرائيلية ـ ويطالب بمحاسبة الجناة، وفي مقابل ذلك ينعقد لسانه وتنحبس كلماته ويتبلد ضميره عن إدانة اختطاف الطفل الشهيد الفلسطيني محمد أبو خضير الذي عذبه قطعان المستوطنين حتى الموت ثم أحرقوا جثته أمام مرأى ومسمع العالم .. يا للقلوب حين تقسو، ويا للضمائر حين تموت، وفوق ذلك لا أحد يريد أن يحرك ساكنًا وهو يسمع القائمة التي أعدها الإرهابي أفيجدور ليبرمان المسمى بوزير خارجية في حكومة الاحتلال لتصفية القيادات والرموز الفلسطينية، وكذلك لغة التهديد والوعيد بإعادة احتلال قطاع غزة.
إن الفلسطينيين بحاجة اليوم إلى التحرك السريع نحو إعادة صياغة مواقفهم المقاومة والتأكيد على ما بدأوه من اتفاقات لإنهاء الانقسام بخطوات فعلية على الأرض لا على الورق والمنابر الإعلامية، لأنهم بذلك سيكونون الأقدر على فتح أعين العالم المغمضة عن مآسيهم عمدًا.