[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
سيظل يسأل أهل الغرب عن تلك المناعة التي تجعل من الشعب الفلسطيني حاضرا في التعبير عن وجوده، وهو الذي يفترض أن ينسى بعدما اختزلته الأيام والسنون، وهاجر في الدنيا بحثا عن دولة تكون بديلا، لكنه كلما حصل على مراده أيقن أن لا بديل عن فلسطين، ظلت فلسطين الرقم الأول بلا منازع .
أما إسرائيل، فلم تستطع ولن تستطيع أن تقبل من قبل الفلسطينيين .. وكلما مرت أعوام، تنبهت إلى ازدياد حضورهم في التعبير عن مطلبهم الوحيد: الدولة الفلسطينية. وإذا لم تشأ، فمن النهر إلى البحر ومن رفح إلى الناقورة. لا شيء اسمه نصف فلسطين .. تعرف إسرائيل أن إعطاء النصف أو الجزء يعني زيادة في المطالب, فهي تتوخى أن لا تقدم على أمر يؤدي إلى ابتزازها أكثر فأكثر كما تتصور .
العودة ليست حلما، إنها قدس الأقداس، فمن يمكنه التلاعب بمعركة لن يستسلم فيها الفلسطيني أبدا .. ولن تقوى عليه كل ضغوطات العالم. عندما سئل أحد السياسيين اللبنانيين القدامى عن سبب إسكان الشعب الفلسطيني في هذه البيوت الوضيعة وضمن تسمية مخيمات، أجاب إنها تحريض على العودة، الرفاهية كما أضاف تنسي الفلسطيني بلاده. لكن هذه القفلة من الكلام لم تكن صحيحة، عرفت العديد من الفلسطينيين الذين أثروا في الخارج وترفهوا إلى أقصى حد ومع ذلك ظلت فلسطين الحاضر الأقوى الذي لا يتفوق عليه أي إحساس أو مطلب .. لعل مثلا إدوارد سعيد الذي عاش حياته المرفهة، لم تقوَ تلك الميزات على تغيير بوصلته وكتاباته وأفكاره .
لفلسطين جاذبية غريبة، يحار فيها الإسرائيلي والأميركي وآخرون. كلما ابتعد الفلسطيني عنها أحسب أنه منجذب إلى أمه الأولى، إلى حضن وطن ليس غيره ما يهواه وما يعشق العيش فيه. أغنى أغنياء فلسطين، يعانون دائما من عدم وجود الهوية الأولى. أما فقراؤها، أبناء المخيمات وهم الكثرة الساحقة، فلا يملكون إلا الجاذبية التي تظل تشدهم إلى عالم يفكرون فيه على مدار الساعة، يحشدون كل طاقتهم من أجل أن لا يعبر النسيان رؤوسهم المشغولة بفلسطين، وحتى التلال كما تقول فيروز تنام وتصحو على عهد العودة .
لم أعرف فلسطينيا إلا ولوجهه طابعه الذي تظهر فيه الحنين إلى فلسطين كلما ذكرت أمامه. شيء عجيب ذاك الإحساس الذي كأنما يولد من أجله الفلسطيني، لكي يعيش على ترداده. سوف تخطئ أية قيادة فلسطينية لا تمسك جمر فلسطين بيدها، مع أن دولا وفي طليعتها إسرائيل مستعدة لأن تقدم الغالي والنفيس كي ينسى الفلسطيني أن له وطنا وحقوقا وعالما .
جاذبية فلسطين، هي التي أبقت كل فلسطيني متأهبا لها، حاضرا لدفع أي ثمن من أجلها، متعهدا أن لا يغيره أي وضع أو ثراء .. قال لي أحد الأثرياء الفلسطينيين أو من هم من أهل النعمة كما يقال "اليوم أنا أكثر ارتباطا بفلسطين" .. هذا المال الإضافي لدي مستعد لدفعه لكل من يريد تحرير بلدي، هكذا أضاف .
وجاذبية فلسطين، أن يقول لي ذات مرة أحد الأصدقاء الفلسطينيين، أخاف أن أموت خارج بلادي لأدفن في أرض غريبة. إنها لعنة الموت في الأرض الغريبة، كأنما يتمرد الجسد على المكان .
فهل بعد ذلك ما هو أقوى من جاذبية فلسطين التي تقف وراء كل الإلهام الفلسطيني وحتى الثورات .