[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
انتهاء جولة جنيف الثامنة من المحادثات السورية (حكومة ومعارضات) دون تحقيقها أي اختراق أو تقدم يذكر، لم يأتِ على غير المتوقع، وإنما كان أمرًا منتظرًا قبل بدء المحادثات لتلحق هذه الجولة بشقيقاتها السبع، وتحفظ في أرشيف منظمة الأمم المتحدة وفي سجلات التاريخ لتكون دليلًا جديدًا على سلسلة إخفاقات المنظمة الدولية في فض النزاعات وحل القضايا، وإن كانت في الوقت ذاته لا تُلام على مجمل حصادها في الزمن الحاضر خاصة، وذلك لاختطافها من قبل الولايات المتحدة ومن يسبح في فلكها من القوى الكبرى، وحرف بوصلة المنظمة عن ميثاقها ومعاهداتها وقوانينها لتكون أداة التحليل للعهر السياسي والدفاع عن النزعات الاستعمارية الامبريالية أو التستر عليها.
لا نزال نعيد ونؤكد أن سوريا في العقل الصهيو ـ أميركي المُخطِّط لإعادة رسم خريطة المنطقة لصالح مد مشروع الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة وهيمنته عليها والمُدَثَّر باسم مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، تمثل ارتباطًا عضويًّا بفلسطين المحتلة، وتشكل في الوقت ذاته العقبة الكأداء في تحقيق المخطط، وقد أثبتت الوقائع والأحداث على خلفية "الحريق العربي" أن سوريا هي الحصن المنيع الذي لا تزال تتكسر على جدرانه جحافل المشروع ونصال إرهاب أدواته، فهي ليست الحاضن لملايين اللاجئين الفلسطينيين ومعاملتهم مواطنين سوريين فحسب، وإنما هي الحاضن لمقاومة الشعب الفلسطيني، وأسهمت بدور كبير ومشرف في دعم هذه المقاومة؛ فتدريب كوادر المقاومة على تصنيع الصواريخ وكيفية إطلاقها، واختبارها في الصحراء السورية ليس إلا أحد أوجه الدعم الذي ضاعف مستوى منسوب الحقد والكراهية لدى الصهيو ـ أميركي وأتباعه وعملائه ضد سوريا.
لذلك وفي ظل ما يتداول عن استعداد الولايات المتحدة ممثلة بالإدارة الجمهورية بقيادة الرئيس دونالد ترامب إعلان ما يسمى "صفقة القرن" التي بدأت تتسرب تفاصيل منها على وسائل الإعلام، والتي كان أحد ملامحها قرار واشنطن بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، يوقن الصهيو ـ أميركي ومن يواليهما أن محور المقاومة وفي قلبه سوريا الصامدة والمنتصرة يمثل التهديد الحقيقي لنجاح الصفقة العتيدة، والمحور القادر وحده على بعثرة خطط التآمر على المنطقة المرتكزة على اغتصاب دولة فلسطين بالكامل وإعطاء الشعب الفلسطيني وطنًا بديلًا، وبالتالي عودة سوريا منتصرة وموحدة هو ما لا يجب أن يكون وفق الصهيو ـ أميركي، وبات واجبًا البحث عن بدائل لتنظيم "داعش" الإرهابي بعدما تمكنت سوريا وحلفاؤها من إنهاء خرافته، وذلك لكي تبقى سوريا في مطحنة الإرهاب والعنف والقتل والتهجير والتدمير والتفكك. وهنا يعن مباشرة للمتابع للمشهد السوري تبادل الأدوار في السياسة والميدان بين الصهيو ـ أميركي وعملائه وأدواته مما يسمى "المعارضات" السورية، والتنظيمات الإرهابية والميليشيات الانفصالية.
فسياسيًّا، من الواضح أن إفشال جولات محادثات جنيف التي لا تزال تضاعف أعدادها، وخاصة الجولة الثامنة الأخيرة ـ التي ربما لن تكون كذلك بل ستتبعها جولات ـ جاء بقرار من أسياد هذه "المعارضات" التي لا تملك قرارها أو بالأحرى ليس لها قرار وإنما هي واجهات ديكورية ـ كما أثبتت الوقائع والأحداث ـ لها دورها الوظيفي في تنفيذ ما يطلبه منها أسيادها، واللافت المثير للضحك والسخرية أن هذه المعارضات تحاول أن تظهر نفسها أنها صاحبة قرار ومستقلة فترفع سقوف شروطها ومطالبها وفي مقدمتها تنحي الرئيس السوري بشار الأسد، ونسيت أنها إنما تخدع ذاتها، فهي ليست سوى مؤدي دور "الكومبارس" في التمثيلية، في حين أن البطل هو أسيادها الذين يحاولون إيهام العالم بأنهم مع الحل السياسي، وأن بقاء الرئيس السوري لا بد منه في هذه المرحلة من الحل، بينما في الكواليس وخلف الأبواب المغلقة هم من يملون الشروط والمطالب لـ "كومبارسهم" من "المعارضات" ليرفعوها في جولات جنيف. أما ميدانيًّا فلا يزال الرهان على بقايا التنظيمات الإرهابية من غير تنظيم "داعش" والميليشيات الانفصالية في مواصلة التخريب والتدمير، ولاستنزاف الدولة السورية وحلفائها، والتشويش على الإنجازات المتحققة بالانتصار على "داعش" الإرهابي، وإمعانًا من الصهيو ـ أميركي في ذلك، لم يكتفيا بما يديرانه من تنظيمات إرهابية وميليشيات انفصالية، وإنما انتقلا إلى خطوة إضافية بإنشاء ميليشيات إرهابية انفصالية متمردة على الدولة السورية، تحت اسم "الجيش السوري الجديد"، حيث أعلن مركز المصالحة الروسي بين الأطراف المتحاربة في سوريا في بيان له، أمس الأول السبت: "بإشراف مدربين من الوحدات الخاصة الأميركية يتم من بقايا المجموعات المسلحة المتفرقة تشكيل وحدات مسلحة جديدة تسمى (الجيش السوري الجديد) في مركز التدريب بالقرب من مخيم اللاجئين بمحافظة الحسكة". وصرح مركز المصالحة الروسي في بيانه أن قوات التحالف كانت تستخدم مخيمات للاجئين لتدريب مسلحين. وأضاف "وفقًا لمعلومات السكان المحليين العائدين إلى المناطق المحررة من "داعش"، استخدم "التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، مخيم اللاجئين بمحافظة الحسكة لأكثر من نصف عام كقاعدة لتدريب المسلحين الذين يتدفقون إلى هناك من مناطق مختلفة من سوريا".
الخلاصة هي: أن من أراد أن ينجز مشروع الاحتلال الإسرائيلي وتصفية القضية الفلسطينية بلافتته العريضة المسماة "مشروع الشرق الأوسط الكبير" بات يدرك تمام الإدراك أن أحلامه بتحقق مشروعه غير قابلة للتحقق، لا سيما في ظل تنسيق الجهود والمواقف بين محور المقاومة وفصائل النضال الفلسطيني والدعوة لانتفاضة ثالثة في بداية طريق المنازلة، لذلك يحاول أن يرد على هذه الخطوة بإفشال الحل السياسي في سوريا وإيجاد بدائل جديدة لتنظيم "داعش" يمكنه من خلالها مواصلة إشغال محور المقاومة واستنزافه وتقطيع أوصاله.

[email protected]