يزداد المشهد الشعبي الفلسطيني حضورًا بالمعنى السياسي والإعلامي على حد سواء، انسجامًا مع مستوى الحدث وعظمه باغتصاب كيان الاحتلال الإسرائيلي كامل مدينة القدس بقرار من الولايات المتحدة.
غير أن هذا الحضور لا يكفي للإحاطة بما توضحه الخريطة الجديدة المراد فرضها على المنطقة التي تغيب فيها فلسطين المحتلة ومعها القدس، وإنما يستوجب أن يكون هناك مشهد رسمي فلسطيني لا يقل فاعلية عن المشهد الشعبي، بحيث يمثل الشعبي الحاضنة الحقيقية والداعم الأقوى للرسمي، ما يشكل تكاملًا ومصدر قوة واحدة يمكن للفلسطينيين بها مواجهة ما يستهدفهم ويستهدف قضيتهم، خاصة وأن الجانب الفلسطيني الشعبي يملك قوة المقاومة الميدانية، وقادر على تفجير انتفاضة ثالثة يخلط بها الأوراق للعدو المحتل وحماته، في حين الجانب الفلسطيني الرسمي لديه أوراقه السياسية التي يمكن أن يؤثر بها في معركته الوطنية شريطة أن يكون لدى الرسميين الفلسطينيين القدرة على فهم المتحول الحقيقي في المزاج الشعبي الذي بات يملي شروطه على المشهد، ويترك تداعياته وما ينتج عنها من انعكاسات بنيوية وتنظيمية في العلاقة القائمة.
ما نقوله هنا ليس قراءة للطالع الفلسطيني أو قراءة فنجان ولا هو من باب الدعاية، بقدر ما هو حقيقة ملموسة في الكثير من الجوانب التي تطفو على سطح المشهد، لا سيما ونحن نرى حراكًا موازيًا شعبيًّا ورسميًّا في أكثر من مكان في العالم، حتى في الولايات المتحدة ذاتها صاحبة القرار العدواني، وما يؤكد ذلك، ما جاء على لسان نبيل شعث مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن القيادة الفلسطينية ذاهبة إلى خيار فرض إطار دولي متعدد الأقطاب، يستند إلى المرجعيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة، مؤكدًا في الوقت نفسه موقف السلطة رفض قبول الولايات المتحدة كراعٍ لعملية السلام، مشددًا على أنه "حتى لو تراجع (الرئيس الأميركي دونالد ترامب) عن قراره الأخير فيما يخص القدس، فإننا ماضون لفرض إطار دولي يكون راعيًا لأي عملية سلام أو مفاوضات قادمة"، كاشفًا عن أن اجتماع القيادة الفلسطينية المقرر اليوم الاثنين "عناوينه واضحة، وسوف يبحث مسألة الإطار الدولي والتوجه إلى مجلس الأمن، فضلًا عن بحث إعادة النظر بشكل جدي في اتفاقية أوسلو".
إن الإطار الدولي، سواء كان عبر الأمم المتحدة أو مجموعة عمل دولية تتوافر فيها مواصفات الحيادية والنزاهة والموضوعية، لتتولى رعاية عملية السلام، والتقريب بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تحت مظلة الشرعية الدولية والقرارات الصادرة عنها، يمثل التحرك الفلسطيني تجاهه ـ وبدعم عربي وإسلامي ـ بداية لخطوات عملية تشعر الولايات المتحدة بفداحة انحيازها لحليفها كيان الاحتلال الإسرائيلي على حساب الاستقرار والسلام والأمن والتنمية في المنطقة، خاصة وأن العالم دخل مرحلة تعدد الأقطاب، فالقطبية الأحادية قد طوتها الأحداث، وسنن الحياة ونواميس الكون. كما أن اتفاقية أوسلو ليست قرآنًا منزلًا على الشعب الفلسطيني، ومعروف عنها أنها جاءت في لحظة مترعة بالأحداث في المنطقة أراد الأميركي وحليفه الإسرائيلي استغلالها لخداع الفلسطينيين والعرب واستلاب اعتراف فلسطيني بكيان الاحتلال الإسرائيلي مقابل نتف في الضفة الغربية المحتلة أكدها الواقع اليوم.
في الحصيلة الأولية لمشهد الهبة الشعبية الفلسطينية للدفاع عن القدس المحتلة تبدو الفرصة مواتية للتقدم أكثر في مسيرة النضال، واستعادة الوحدة الفلسطينية، كما تبدو في الوقت ذاته كاشفة للمصداقية الرسمية الفلسطينية أولا والعربية والاسلامية ثانيا وثالثا.