لأن العرب يؤمنون بأن قوميتهم غير عنصرية وغير فاشية وتحترم قوميات الآخرين، فهم يقرون أن من حق القوميات الأخرى أن يكون لها ما للعرب أيضا، لكن أن يخطو الأكراد في العراق وحده للانفصال عن البلد الأم ضمن مفهوم إقامة دولة، فهذا بحد ذاته تقسيم للدولة العراقية وطعن في صميم تاريخية الدولة العراقية الواحدة.
واختيار الأكراد لحظة مفصلية من حياة العراق وهو يتعرض لعدوان فاشي ارهابي، لايمكن قبوله او الركون إلى أهدافه البعيدة وحتى القريبة. فليس من حق الأكراد اختيار تلك اللحظة الصعبة باجراء تسابق مشكوك بأمره نحو الانفصال، ونحو بلوغ هدف فيه الكثير من التعدي على وطن يؤمن شعبه بوحدته، ويسعى للخلاص من المحنة التي يمر بها ..
كان الأجدى بالأكراد أن لا تكون لهم تلك الخطوة الخطيرة في هذا التوقيت العراقي الخطير .. فنحن نعلم أن العلاقة بين مكونات الشعب العراقي كانت دائما من باب التآلف والتعايش والحوار، أما أن تجيء الخطوة الكردية على هذا الشكل وبتلك السرعة وأحادية الجانب، وخصوصا بعد الزيارة المشبوهة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى اربيل واجتماعه بالقادة الكرد، كلها عوامل تشير إلى خيار كردي لن يكون سهلا نتائجه، ونحن نعلم أن الأكراد لهم وجود في أكثر من دولة، فهم أكثر من خمسة عشر مليونا في تركيا وهم كم كبير في إيران وكذلك في سوريا، فكيف تتم إقامة دولة مقتطعة على أرض العراق وحده، فيما يبقى الأكراد الآخرون خارج سرب الدولة المزعومة، ثم إن التأييد التركي لاقامة هذه الدولة على أرض غيره، ونحن نعرف الرأي التركي بالنسبة للدولة الكردية، إنما يعني مؤامرة واضحة على العراق وعلى وحدته، ولكي لا نزيد في حجم تصورنا لتلك المؤامرة نقول إنها مقدمة للمؤامرة الكاملة على المنطقة العربية بأسرها، ونكاد نقول إنها خطوة إسرائيلية قديمة العهد بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي حين اجتمع مصطفى البرزاني بقادة اسرائيليين كانوا يمنون النفس بتقسيم العراق، تماما مثلما حلمهم بتقسيم لبنان آنذاك.
إن أخطر ما يمر به العراق ليس فقط تعرضه للعدوان الداعشي الذي يحمل بصمات دول متعددة نشرت تفاصيله صحيفة كردية معروفة .. بل يمكننا وصف الاعلان الكردي بالانفصال وبإقامة دولة في شمال العراق بأنه عدوان يوازي عدوان " داعش " وأكثر .. ومثلما اعتدى هذا التنظيم على أرض العراق وتآمر على وحدته، يكمل الأكراد اللعبة في تحريض واضح من تلك الدول التي رعت " داعش " وساهمت في اعطائها الروح كي تقوم بعدوانها.
نقول بمعرفة ودراية أن خطوة الأكراد تلك هي في رسم المجهول، وكما أبلغ أبرز قادة الأكراد من أحد قادة المنطقة إنكم ستندمون على خياركم وفي هذا التوقيت، فنحن ننقل أيضا بعض هواجس قادة أكراد من خطوة البرزاني ومن خياراته ومن لعبه بالنسيج الوحدوي لبلد كان وسيظل يعترف بالوجود القومي الكردي ضمن نسيج العراق الواحد، وقدم في سبيل ذلك منذ العام 1970 كل ما أمله الأكراد في اثبات هذه الفكرة، حين منحهم النظام السابق كل ما كانوا يأملون بالحصول عليه.