[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
حتى ساعات قليلة من إعلان قرار الرئيس الأميركي بشأن الاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي وتوجيه المسؤولين لديه بالعمل على نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة، كان اليأس يدب في نفوس قطاع عريض من المتشائمين بمصير القضية الفلسطينية وإمكانية التوصل إلى حل سلمي يضمن للفلسطينيين حقوقهم، وللاجئين منهم حق العودة لأرضهم المغتصبة، ولمدى إمكانية تنزيل مقترح حل الدولتين إلى أرض الواقع.
ولكن بمتابعة التداعيات التي تلت ذلك القرار " الشخصي والخاص" بالرئيس الأميركي حيال القدس، يمكن للجميع متفائلين ومتشائمين أن يتحسسوا التفاؤل متجسداً في كل ماهو ملموس من تفاعلات التعاطي الشعبي الرافض، جنبا إلى جنب قرارات الاستنكار الصادرة عن الحكومات العربية والإسلامية وغيرها من حكومات الدول الغربية التي لم تترد في رفض القرار رغم علاقة بعضها بنشأة إسرائيل في الأساس، حيث أدت صيحة ترامب الأخيرة إلى بعث روح التفاؤل بشأن القضية الفلسطينية بين الجميع.
وبهذا يمكن اعتبار قرار ترامب رغم أنه "قرار خاص، يخص صاحبه بالدرجة الأولى"إلا أنه جاء بمثابة قبلة حياة لصالح القضية الفلسطينية، وكان أحدث سلسلة تلك القبلات التي حركت الساكن والراكد من قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، هو ما تمخض عن اجتماع الدورة الاستثنائية للاتحاد البرلماني العربي الذي انعقد بالعاصمة المغربية الرباط الخميس الماضي.
ورغم استخدام البرلمانيين العرب في بيانهم لنفس المصطلحات التي أصابت الشعوب العربية بالملل، بعد أن توصلوا إلى قناعة بعدم فائدتها على المستوى العملي، وهي مصطلحات على شاكلة ـ نشجب ، وندين ، ونستنكر ، ونرفض بشدة ـ إلا ان استنكارهم ورغم طابعه الروتيني ، يعتبر بشكل أو بآخر له وزنه على المستوى العالمي خصوصا وأنه صادر عن جهات ممثلة للشعوب العربية وجميعها برلمانات منتخبة ديمقراطيا ... هذا على افتراض أن أميركا وإسرائيل ربما يحترمان الديمقراطية التي يدعون مناصرتها وينسجون الكثير من المؤامرات الكيدية خلف ستارها وبحجة العمل على نشرها في العالم.
فإن كان الرئيس الأميركي يزعم ـ وفق بعض المراقبين والمحللين ـ بأن الأوضاع السياسية في المنطقة العربية تعتبر الأكثر خصوبة وتمهيدا لتحريك كرة "الركبي" الأميركية في مناخاتها صوب تحقيق أهدافه بعيدة المدى لمناصرة إسرائيل، ليحقق بذلك نصراً انتخابيا سياسيا داخليا قد يضمن له الولاية الثانية في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، مستفيدا في ذلك من أصوات رجال الأعمال والبرجوازيين وغيرهم من جماعات الضغط اليهودية في المجتمع الأميركي، إلا أن الشعوب العربية التي هي في الأصل غير منفصلة عن حكوماتها، قد قالت كلمتها، علها تجد اذانا صاغية لدى الرئيس ترامب.
وإلى جانب رفض البرلمانات العربية لقرار الرئيس الأميركي جملة وتفصيلا وفق ماجاء في بيانها الرسمي، مع رفضهم المطلق المساس بالمكانة القانونية والسياسية والتاريخية لمدينة القدس الفلسطينية، نجد أن البيان نفسه تضمن رسالة أكثر قوة وأعمق معنى في حق السياسة الخارجية الأميركية ، حيث تلخصت تلك الرسالة في إعلان البرلمانات العربية سحب الرعاية الأميركية لعمليات السلام، تلك الرعاية التي سعت لها كافة الحكومات الأميركية السابقة لتظل هي القوى العظمي ذات الكلمة العليا في القضايا السياسية والاستراتيجية والاقتصادية بالمنطقة ... ولكن بهذا الموقف الأخير تكون أميركا أشبه بمن يحمل معولا يهدم به إنجازاته على مستوى السياسة الخارجية بالمنطقة، على أن هذا الموقف نفسه يشكل قبلة حياة جديدة للقضية الفلسطينية ليضمن لها المزيد من الالتفاف العربي الرسمي والشعبي معا.