حين تتكامل الجهود ـ أي جهود ـ وتتضافر تحت راية واحدة أو شعار واحد فإنها تكون بذلك قطعت نصف الطريق أو يزيد نحو تحقيق الهدف، فضلًا عن أنها ترسخ واقعًا يستجيب مع المخططات والطموحات، والوفاء بالتطلعات المشتركة لدى الجميع.
ويأخذ هذا التكامل مداه الحقيقي، ويسير نحو مساره المرسوم على مستوى الأداء الحكومي عبر مؤسسات وأجهزة الدولة عندما يتجاوز مرحلة التكامل وتضافر الجهود إلى مرحلة الحرص على تقديم الخدمات لطالبيها في قوالب متعددة من الجودة والإبداع، وفي أداء يليق بهذه المؤسسات والأجهزة وسمعتها الطيبة، انطلاقًا من حرص باني نهضة عمان الحديثة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على تطوير الأداء الحكومي، وإيلاء المواطنين المكانة التي يستحقونها من حسن المعاملة، وتيسير أمورهم وتبصيرهم. فقد كانت الأوامر السامية من لدن جلالته ـ أيده الله ـ واضحة للوزارات والوحدات الحكومية الخدمية بإنشاء دوائر متخصصة مهمتها استلام وتسجيل طلبات المواطنين ومتابعة الإجراءات التنفيذية المتخذة حيالها وإرشادهم بما هو مناسب لهم، وتكثيف زيارات الوزراء والوكلاء للولايات والمحافظات لتفقد الدوائر والمديريات التابعة لهم، وإجراء ما يلزم لهم من اتصالات للالتقاء بالمعنيين من الأهالي للتأكد من سلامة الإجراءات التي تضطلع بها فروع الوزارات والوحدات الحكومية، وملامسة مطالب المواطنين عن كثب، ما سيضمن أخذهم حقوقهم بكل سهولة ويسر وبالسرعة المطلوبة.
ويعد مقترح "البرنامج الوطني للأداء المجيد والإبداع الحكومي" لمجلس الدولة الذي قام مكتب المجلس بمناقشته خطوة جيدة ومواكبًا للحراك المجتمعي والحاجة إلى سرعة إنجاز المعاملات، وعدم التأخر في الردود على الطلبات والاستفسارات المقدمة من قبل المواطنين، لا سيما وأن من أهداف البرنامج تمكين الجهات الحكومية من تحقيق متطلبات وتوقعات المجتمع في الحصول على خدمات حكومية بأعلى درجات الكفاءة والفعالية.
ويبدو من خلال مقترح البرنامج أن الهدف الآخر منه هو الانتقال إلى مرحلة متقدمة من الأداء تأخذ بعين الاعتبار الجودة في الخدمة والإبداع في الإنجاز والمهام والوظائف والقيام بالمسؤوليات، وتقضي على الروتين المعروف والذي اعتاد عليه المراجعون وطالبو الخدمات، وتتخلص من مظاهر البيروقراطية، ومن مظاهر التمييز بين معاملة وأخرى، وتقديم معاملة على أخرى وفق أهواء وأمزجة لموظف ما، وتستند إلى المهنية والشفافية والصراحة، والسرعة في الإنجاز مع مراعاة أولوية الأدوار، وعدم تشتت المراجع بين جهة وأخرى خاصة إذا كان موضوعه يتعلق بأكثر من جهة، وهذا ما يتطلبه عالم اليوم الذي باتت تطغى عليه التقنيات الحديثة ووسائل الاتصال، وهو ما يمكن أن يجد طالب الخدمة أو المراجع الإفادة عن ما سعى إليه عبر هاتفه ـ على سبيل المثال ـ حيث تتوافر التطبيقات الخاصة ـ بالإضافة إلى البريد الإلكتروني ـ والتي يمكن أن تعتمدها الوزارات والمؤسسات الحكومية، الأمر الذي سيبعث ـ دون شك ـ ارتياحًا كبيرًا لدى طالب الخدمة والمراجع، ويوفر عليه الوقت والجهد ومشقة الطريق، ويقلل من حالة الاكتظاظ وإجراءات الدخول والخروج الأمنية المتبعة في العديد من الوزارات والمؤسسات الحكومية، على أن تكون هناك ـ على سبيل المثال ـ فترة محددة متفق عليها لإفادة المواطن طالب الخدمة أو المراجع، منذ تاريخ تقديمه الطلب، وغيرها من الوسائل والخدمات والابتكارات التي يمكن أن تحقق الجودة والإبداع في آنٍ واحد في الأداء الحكومي، مع أهمية التأكيد على أن تُستطلع الآراء بصورة عملية داخل الوزارات والمؤسسات الحكومية، ويرصد من خلال الاستطلاع التحديات والإيجابيات والاقتراحات من قبل المسؤولين والموظفين والمواطنين والمراجعين التي يمكن أن تثري المقترح ليكون قابلًا للتطبيق، وعدم الاقتصار فقط على استضافة بعض الجهات المجيدة للوقوف على تجاربها في هذا المجال.