يقول الله تعالى (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌۭ (١٨)﴾
(سورة ق (١٨))

تعلموا الصمت كما تعلمه الأسلاف:

عن الحسن قال:يا ابن آدم، بُسطت لك صحيفة، ووُكِّل بك ملكان كريمان يكتبان عمَلك، فأكثر ما شئت أو أقلَّ.وكان رحمه الله يقول:من كثر ماله كثرت ذُنُوبه، ومن كثر كلامه كثر كَذِبُه، ومن ساء خلُقه عذَّب نفسه.

قال مورّق العجْلي رحمه الله: تعلمت الصمتَ في عشر سنين، وما قلتُ شيئًا قط -إذا غضبتُ- أندمُ عليه إذا زال غضبي.
الصمــت زيـن والسـكوت سـلامة فإذا نطقت فلا تكــن مكثـاراً
فـإذا نــدمت على ســكوتك مـرة فلتندمـن علـى الكلام مـراراً

وقال محارب: صحبنا القاسم بن عبد الرحمن، فغلبنا بطول الصمت، وسخاء النفس، وكثرة الصلاة.

وعن الأعمش عن إبراهيم قال:كانوا يجلسون فأطولهم سكوتًا أفضلهم في أنفسهم.

وقال فضيل بن عياض رحمه الله: ما حجٌّ ولا رباطٌ ولا اجتهاد أشد من حبس اللسان، ولو أصبحت يُهمُّك لسانُك أصبحتَ في غمٍّ شديد.وقال رحمه الله: سجن اللسان سجن المؤمن، وليس أحد أشدَّ غمًّا ممن سجن لسانه.

وعن عمر بن عبد العزيز قال: إذا رأيتم الرجل يُطيل الصمت ويهرب من الناس، فاقتربوا منه؛ فإنه يُلَقَّن الحكمة.

وقال خارجة بن مصعب:صحبت ابن عون ثنتي عشرة سنة، فما رأيته تكلّم بكلمة كتبها عليه الكرامُ الكاتبون.

قال محمد بن واسع لمالك بن دينار:يا أبا يحيى، حفظ اللسان أشدُّ على الناس من حفظ الدينار والدرهم.

وقال الأوزاعي: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز رحمه الله،أما بعد: فإن من أكثر ذكر الموت، رضي من الدنيا باليسير، ومن عدَّ كلامه من عمله قلَّ كلامُه إلا فيما يعنيه.

فاحفظ لسانك أيها الحبيب تنج
عـود لســانك قول الخير تنج به مـن زلة اللفظ أو من زلة القـدم

إن اللسان جارحة لها الصدارة في الخطورة بين الجوارح وتعتريه الكثير من الآفات والموبقات الواجب اجتنابها والحذر منها، ومن هذه الآفات:
*الخوض في الباطل:يقول المولى الكريم حكاية عن بعض أهل النار قولهم :﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ﴾،وهو الدخول في أي حديث وأي كلام بلا حساب ولا تدبر ولا وعي ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: "أعظم الناس خطايا يوم القيامة هو أكثرهم خوضاً في الباطل".

*المراء والمجادلة: فترك الجدال والمماراة تتوقف عليه استكمال حقيقة الإيمان ، وعنه صلى الله عليه و آله و سلم: " لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى يدع المراء والجدال وإن كان محقاً". فالمراء والجدال مع الكون على الحق مبغوض لله ولرسوله فكيف إن كان بالباطل!! فعنه صلى الله عليه و آله و سلم: "من جادل في خصومة بغير علم لم يزل في سخط الله حتى ينزع".

*الفحش والسب واللعن: ولعل هذه الآفات هي أكثر الآفات شيوعاً واللسان أسرع إليها من غيرها، فترى الناس في حال الغضب يسبون ويلعنون بالفاحش من الكلام وفي الرضا، كذلك لا يتورعون، ولكن هل يا ترى من يلعن أو يتفحش أو يسب يكون مؤمناً؟
يجيب عن ذلك الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم: "ليس المؤمن بالطعَّان ولا اللعان ولا الفحاش ولا البذي".
ولذا فقد وصفه الرسول صلى الله عليه و آله و سلم لزوجه عائشة قائلاً: "يا عائشة لو كان الفحش رجلاً لكان رجل سوء".

* السخرية والاستهزاء: فإنهما من الكبر قال تعالى:﴿لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ﴾.

* إفشاء السر: والسر من أعظم الأمانات ،ولذا فإفشاؤه خيانة والله لا يحب الخائنين، وقد عبر الرسول صلى الله عليه و آله و سلم عن كتمان ما يسمع الإنسان في المجلس الذي يحضره بقوله:"المجالس بالأمانات ، وقال أيضاً:"الحديث بينكم أمانة".

* الكذب: وهو آفة الآفات، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "أعظم الخطايا عند الله اللسان الكذوب".

* الغيبة: وهي أيضاً من أعظم الآفات وأشدها خطراً وأقبحها شكلاً حتى لقد شبه الله المغتاب بأكل الجيف !! فقد قال الله عزوجل :" ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه".

* النميمة :ففي الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يدخل الجنه قتّات" أي ( النمّام). فالنميمه هي :نقل الكلام بين أثنين لإيقاع العداوه والبغضاء وهذا من الشر كله .،؛فالواجب عدم تصديق كلام النمام لإن النمام فاسق مردود الشهاده،،

## إن آفات اللسان إن لم تكن كبائر في كثير منها، فهي قريبة من الكبائر، والمواظبة عليها يصيرها كبيرة يستمرئها الإنسان ويتعود عليها! ولعلاج تلك الآفات علينا باتباع النصائح التالية:
*تعظيم حرمات الله عز وجل:
يجب أن نعرف أن تعظيم حرمات الله عز وجل هو دواء شاف لكل القلوب، فكيف أخوض في عرض الناس؟وكيف أسب مسلماً؟ وأقول:هذا من أهل الجنة وهذا من أهل النار؟

* النظر إلى ما ورد في كتاب الله عز وجل من مدح الذاكرين لله والذاكرات:
مثل الذي يصبح ويمسي ولسانه رطب بذكر الله،والذي يقرأ في كتاب الله سبحانه وتعالى ليل نهار،والذي يرضي الله عزوجل بالكلام الطيب، والذي يصلي ويستخدم لسانه في صناعة الخير.

*النظر إلى نهاية الدنيا بالنسبة للإنسان:
علي أن أتذكر أنه سوف أموت في يوم ما وسوف أدخل القبر وحيداً فريداً،يحاسبني الله على ما خضت فيه بلساني!! فما الذي يجعلني أترك لساني يذكر الناس بالسوء ، ويذكر الناس ويخوض في أعراضهم!

* قصر الأمل:
مصيبة الجميع، إلا من رحم ربي، عبارة طول الأمل،كلنا يقول:
يا فلان ألا تقتنع أنك سوف تموت؟
يقول: نعم،وهل أعددت نفسك؟يقول: إن شاء الله رب العالمين،
يقول: وإذا مت الليلة؟
يقول: يا رجل، لا داعي لهذه السيرة،
لا داعي لهذا الكلام،لا داعي لهذه الكلمات!!!!
قصر الأمل وتذكر الموت وسيلة ناجعة لعلاج آفات اللسان،قال ابن عمر، رضي الله عنهما: أخذ بمنكبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك".

* قيام الليل:
لو واظب المسلم على قيام الليل، ويجد نفسه في لحظة السحر ويستشعر قوله سبحانه: "من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له "حتى يطلع الفجر.
هذا الوقت العظيم الذي يغتنمه المسلم للدعاء إلى الله عز وجل أن يقيه آفات اللسان وعثرات اللسان.

* السكوت من ذهب:
رحم الله عبداً قال خيراً فغنم ، أو سكت عن سوء فسلم ،ومن صمت نجا..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وأبكي على خطيئتك".

*مصاحبة الأخيار:
على الإنسان مصاحبة أهل العلم، والتقوى، والاستقامة، والفضيلة الذين لا نسمع منهم الكلمات البذيئة
،لأن هذه الكلمات البذيئة لا تسمعها إلا من إنسان غفل قلبه عن ذكر الله واتبع هواه!!
كما قال الله تعالى:"ولا تُظِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ" لكن الإنسان المؤمن المستقيم، التقي النقي، والمؤمنة التقية، لن تقول أو لن يقول إلا خيراً لأنه تعود أن الكلمات السيئة سوف تورده موارد التهلكة..

* الانشغال بعيوب النفس:
لو اشتغل الإنسان بعيوب نفسه لشغلته عن عيوب الناس، يجب أن أعرف عيوب نفسي،و أن نعرض نفسنا على كتاب الله عزوجل، فما وجدت ما حث الله عليه أصنعه،وما وجدت ما نهى رب العباد سبحانه وتعالى أن أنتهي عنه.

* الإكثار من الطاعات:
الإنسان لكي ينتهي عن آفات اللسان لابد من الإكثار من الطاعات مثلاً الإكثار من صيام يومي الاثنين والخميس، وصلاة ركعتين في جوف الليل،وكثرة قراءة القرآن،وتنقية القلب،وأن تحسن إلى من أساء إليك، وأن تحذر اللسان كل يوم،وتقول: "يا لساني، اتق الله في" .
فالإنسان عندما يصلي يجب أن يقف ليصلي صلاة مودع فيتوب إلى الله عز وجل ، وينهي لسانه عن الشر. والله لو أمسك كلُ منا لسانه لصلحت مجتمعاتنا وصفت نفوسنا.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ألسنتنا لهاجة بذكره، ذاكرةً له سبحانه وتعالى آناء الليل وأطراف النهار.

جوخة الحارثية