أيها الصائمون القائمون: (( من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه))
إن للشهوات سلطاناً على النفوس، واستيلاء وتمكناً في القلوب؛ فتركُها عزيزٌ، والخلاص منها عسير.

ولكنْ مَنْ اتقى اللهَ كفاه، ومن استعان به أعانه (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).

وإنما يجدُ المشقةَ في
ترك
المألوفات، والعوائدِ من
تركها لغير الله

أما
من
تركها مخلصاً
لله
فإنه لا يجد
في تركها مشقة إلا أول وهلةٍ؛ ليمتحن أصادق هو في تركها أم كاذب؛ فإن صبر على تلك المشقة قليلاً تحولت لذة.

وكلما ازدادتِ الرغبةُ في المحرم، وتاقتِ النفسُ إلى فعله، وكثرت الدواعي إلى الوقوع فيه -عظمُ الأجرُ في تركه، وتضاعفت المثوبةُ في مجاهدة النفس على الخلاص منه.

ولا ينافي التقوى ميلُ الإنسانِ بطبعه إلى بعض الشهوات المحرمة إذا كان لا يغشاها، وكان يجاهد نفسَه على بغضها.

بل إن ذلك
من
الجهاد، ومن صميم
التقوى؛ فالنار حفت بالشهوات، والجنة حفت بالمكاره.

ولقد جرت سنةُ الله بأن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
والعوض من الله
أنواع مختلفة، وأجلُّ ذلك
العوض: الأنسُ بالله، ومحبتُه، وطمأنينةُ القلبِ بذكره، وقوَّتُه، ونشاطُه، ورضاه عن ربه، مع ما يلقاه العبد
من جزاء في هذه الدنيا، ومع ما ينتظره من الجزاء الأوفى في العقبى..

هذا وإن الصيام لمن أعظم ما يؤكد هذا المعنى، ويبعث عليه.

ولو استعرض الإنسانُ نصوصَ الشرعِ في الصيام لتجلى له هذا المعنى غاية التجلي.

ومن تلك النصوص ما جاء في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال:"قال الله: كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي"

وجاء فيهما -أيضاً-: "للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربَّه فرح بصومه".

والجزاء في الجنة خص الله أجر الصائم باب من أبواب الجنة لا يدخله إلا الصائمون فالجزاء من جنس العمل.
في الحديث عن سهل بن سعد – رضي الله عنه
- عن النبي –صلى الله عليه وسلم قال "إن في الجنة باباً يقال له: الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أيها الصائمون، فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم؛ فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد".

وهكذا - يتبين لنا أن الجزاءَ من جنس العمل وأن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه؛
فالصائم لما ترك شهوته، وطعامه، وشرابه من أجل الله جازاه الله على عمله وعوضه.
اختص الله الصيام من بين سائر الأعمال بأنه له، وأنه يتولى جزاءه.

والعبرة المأخوذة،والدروس المستفادة أن يستحضر الصائم هذا المعنى العظيم في جميع ما يأتي وما يذر، وأن يعلم أن الله-عز وجل-كريم شكور، وأن مقتضى ذلك أن يجازي الإنسان بالحسنة
تفضلاً منه وتكرماً.

والجزاء ليس في الآخرة فحسب، بل الغالب أنه في الدنيا والآخرة معاً.

ولو قام هذا المعنى في القلوب لانبعثت إلى فعل الطاعات، وانقادت إلى فعله الجوارح..

اللهم إنا نسألك حبك، وحبَّ من يحبك
وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه...

إعداد/علي بن عوض الشيباني.