[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
في شأن القضية الفلسطينية يصر الخطاب الأميركي على أن يرمي سهامه بعيدًا في الاستثمار السياسي، وعدم الاكتفاء بحفلات المكاشفة والمصارحة ومعها المطارحة السياسية ـ بكل ما فيها من عهر وخلاعة وميوعة وتغنج ـ التي بات لها راقصاتها على المسرح الدولي في أثواب رجال سياسة وقيادة، ما أتاح لـ "رامبو" أن يتخلص مما أدمن عليه وهو الرقص على الحبال السياسية، ولعبة تدوير الزوايا وأساليب المواربة في إدارة ملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي، كانت اتفاقيات أوسلو ثم خطة خريطة الطريق وحل الدولتين أبرز رموزها.
لقد نجح "رامبو" بامتياز في إدارة الملف وملفات المنطقة وتهيئة هذه اللحظة التاريخية التي تستعد فيها المنطقة لتلقف مسار المكاشفة بأثوابه الجديدة بعد حفلات العهر السياسي أمام الأضواء وبعيدًا عن الأضواء عنوانه ما يسمى بـ "صفقة القرن"، فلم يكن التعاون مع "رامبو" على إخراج العراق وليبيا وسوريا من معادلة الصراع بأكذوبة "الربيع العربي" إلا تهيئة لهذه اللحظة التاريخية الفارقة بين ما قبل "الربيع" المزعوم وما بعده.
قد تكون جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبنت الخميس الماضي مشروع القرار الرافض للقرار الأميركي بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي هي جلسة ما قبل إعلان "الصفقة". فشواهد التاريخ حول تحركات "رامبو" تقريبًا كلها تتفق على أنها تتم بعد المؤتمرات والقمم، ولعل العراق أقرب الشواهد على ذلك، رغم المعارضة الواسعة. وربما أيضًا قد تكون الوليمة التي أعلنت عنها نيكي هيلي السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة عن تنظيمها لتكريم الدول الرافضة والممتنعة أثناء عملية التصويت على مشروع القرار هي عشاء ما قبل الإعلان التاريخي، حيث عبَّرت السفيرة نيكي ذات الأصول الهندية عن شكرها لممثلي الدول التي امتنعت عن التصويت لصالح القرار، وكذلك تلك التي لم تشارك في الجلسة، فضلًا عن التي رفضته. وذكرت المسؤولة الأميركية أنها ستقيم حفل عشاء لممثلي 65 (مجموع من رفضوا وامتنعوا وغابوا) دولة بالأمم المتحدة؛ "تقديرًا لهم على مواقفهم في الجلسة الطارئة التي عقدتها الجمعية العامة". وأرسلت البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة خطابات رسمية بالدعوة لممثلي تلك الدول أبلغتهم فيها بدعوتهم إلى العشاء يوم الـ3 من يناير 2018م.
وعلى الرغم من التهديد والوعيد الذي أطلقه "رامبو" ضد الدول التي ستصوت على مشروع القرار بقطع التمويل عنها، إلا أن نتيجة التصويت، وهي 128 دولة لصالح القرار، ومعارضة تسع دول وامتناع خمس وثلاثين أخرى، كشفت عن تحول يشهده العالم ـ رغم الدول الميكروسكوبية المعارضة ودول حقائب الأموال ـ ألا وهو أنه يجنح نحو تعدد الأقطاب، وأن زمن الأحادية القطبية إلى زوال. كما أن الجلسة الطارئة للجمعية العامة وعملية التصويت ذاتها كشفت جانبًا مهمًّا وهو كيف تبيع دول سيادتها واستقلالها وقرارها السياسي المستقل والسيادي مقابل حفنة من الدولارات، وتصنع لذاتها تاريخًا حافلًا بالتآمر والرشى والتبعية العمياء والعبودية، رافضة أن تكون مع مصاف دول الشرف والكبرياء والإباء والاستقلال والكرامة، وأن تقف وقفة صدق مع نفسها فتنحاز إلى الحق في زمن يعز فيه الشرفاء والأمناء والصادقون، ودول سلطت الأضواء عليها بأنها من الجبن بمكان مُتَّقيةً عصا "رامبو" وابتزازه.
الفلسطينيون يتحدثون عن خطوات وقرارات جديدة قادمة بشأن القدس وقضيتهم الفلسطينية، فقد قال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" أمس الأول إن حركته لديها معلومات بذلك. وفي مؤتمر القدس العلمي الحادي عشر بعنوان "الأبعاد الاستراتيجية لقضية القدس وآليات استنهاض الأمة للدفاع عنها"في غزة قال هنية "لدينا معلومات من جهات معنية (لم يذكرها) أن الإدارة الأميركية قد تقدم على الاعتراف بيهودية الدولة وضم المستوطنات للقدس، وشطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين".
إن ما يحدث ويحاك ضد فلسطين والقدس يشير دون لبس أو غموض إلى خطط كانت جاهزة ومعدة على نحو مسبق ويجري تطبيقها بحذافيرها الآن، وهو ما يعيد إلى الأذهان هرولات الانبطاح والعمالة والخيانة ضد سوريا وليبيا والعراق لتدميرها، وإبرام صفقات شراء الأسلحة من بولندا وأوكرانيا وبلغاريا وغيرها؛ لإمداد التنظيمات الإرهابية المسماة زورًا باسم "المعارضة/الثوار" والتي جُلبت من أصقاع الدنيا ومن السجون. وما يبعث على الألم والحسرة، أن يعتلي منابر الإعلام هؤلاء المهرولون والعملاء مُدَّعِين دفاعهم عن القدس وعن الشعب الفلسطيني، ليجعلوا من خديعتهم في سوريا وليبيا والعراق خديعتين.

خميس بن حبيب التوبي
[email protected]