[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
يمكن لأي ناظر إلى مدينة الرقة في نسختها الجديدة المؤثرة ان يتأمل وحشية التخريب المقصود، وكيف يجب ان تدفن المدن تحت الركام، وان يظهر للعالم آثار ثمن الاجرام لمن باعوا ذممهم بدعم الوحشية وتمويلها والتخطيط لها.
لن تنام الرقة بعد اليوم الا على كتف الدولة التي حين ذهب اليها وزير المصالحة السورية الدكتور على حيدر مع رهط من المتخصصين، لم يتمكنوا من ايجاد مكان يجلسون فيه، وقفوا في الشوارع، تحادثوا مليا حول ماالعمل، ثم ناموا داخل سياراتهم، ويوم طلع الصباح كانت الرقة على كآبتها تستقبلهم بجرحها.
لم يترك المتوحشون فيها لاتحت الارض ولا فوقها، بعدما ابادوا كل شيء، مواسير الماء، والكهرباء، والبنية التحتية الأخرى، ولم يسلم حائط من خرابهم فسقط على حائط آخر ، وكل الاعمدة ايضا مالت وانحنت ، ويسأل كثيرون ، هل هو الانتقام لمجرد الانتقام، ام هو مخطط من ظنوا ان التدمير تعبير ضروري عن رفض الشواهد الحية ، فكما يتم قتل الانسان ، يجب قتل المدن عبر ظواهرها.
وماذا عن التكاليف، ذهبت اللجنة تلك الى حساباتها فاذا ببنية الماء المدمرة لوحدها تكلف ميزانية دولة. الرقة سيعاد بناؤها باحلى مما كانت، سيعود الفرات ليحكي لها قصتها الاولى حين كانت جزءا من بستان هشام الذي ذاع صيته في العالم وصار محج الباحثين عن فاكهة وخضرة من خصوصياته.
لاشك ان سورية بحاجة لخطة شبيهة بخطة ماريشال واكثر .. اذ ليست الرقة الوحيدة المدمرة والمحتاجة لاعادة البناء .. هنالك مايمكن ان يقوم على جهد فردي كما هو حال المدينة الصناعية في حلب والتي قام باعادتها الى الحياة متمولان من اهل المدينة، تبرعا لاعادة تحريك عجلة الحياة ، انها الوطنية في اعلى مسمياتها، هذا هو السوري عندما تتطلب وطنيته ان يتمم واجباته تجاهها فلا يتقاعس.
ستبنى سورية بايدي ابنائها ، ومن سال لعابه من النكرات والمتآمرين، فلن يكون له نصيب في مسيرة الاعمار .. ثمة اصول وطنية حتى في عملية اعادة البناء، ومقدما يمكن القول، ان الترتيب الذي يجريه البعض الذي ساهم في زرع السكاكين في الجسد السوري، لن يكون له محل في مستقبل سورية الاعماري.
اليد السورية العاملة كم بنت من مدن في عالمنا العربي، ويعود اليها الفضل في ذلك، والعقل السوري التخطيطي كان حاضرا في العديد من تلك المدن .. وكاتب هذه السطور، يعرف انه حتى مطار بيروت وليد هذا العقل الهندسي.
لاشك ان سورية خسرت الكثير من يدها العاملة ومن عقولها، لكن دورة الورشات المستقبلية ستكون مناسبة لاعادتها الى مسقط رأسها مساهمة في اعادة الوجه العمراني للمدن التي قررت ان تدافع عن نفسها ضد التوحش بكافة وجوهه ، رغم معرفتها بما ستؤول اليه من دمار.
الوطنية السورية مدرسة الواثقين بوطنهم .. واليد التي دافعت عن ذرى سورية وأمنت ثراها الطيب من شرور الاشرار، هي التي ستمسك باحجار التعمير لتعيد رصفها حجرا حجرا ، وانا واثق من سرعة الانجاز التي يؤكد عديدون ان الخطط الموضوعة للاعمار تعمل بلا هوادة لتعيد سورية بسرعة الى دورة الحياة الطبيعية، ولتشعر العالم بالامان الذي بلغته، وبالاستقرار الذي صار معلمها الوحيد بعد كل ماجرى ضد التوحش وطغاته من الداعمين والمخططين له.