حرصت السلطنة منذ بزوغ فجر النهضة المباركة على إشراك المواطن في عملية مسيرة التنمية الشاملة، وعدَّته النهضة أنه الهدف والغاية لتنميتها، وأنه قطب الرحى الذي تدور حوله التنمية، وبالتالي والغاية هذه والهدف هذا، فإن المشاركة لا بد لها وأن تتسع باتساع دائرة الاهتمام لتشمل جميع المجالات التي تخدم التنمية وعملية البناء.
ولم يكن التدرج في عملية التطوير والتحسين إلا وفق نظرة دقيقة تأخذ بعين الاعتبار المراحل المتحققة، بحيث تتوالى المراحل المرحلة تلو الأخرى مكللة بالنجاح، لتشكل نوعًا من التراكم سِمته النجاح في الأهداف والإنجازات، ومن يتمعن في مسار جميع مراحل التنمية في بلادنا يلحظ حالة التدرج، وإعطاء كل مرحلة ما يناسبها من القدر لكي يأخذ التطوير والتحسين مساحتهما وحقهما بما يلامس الاحتياجات والمتطلبات، انطلاقًا من رؤية أن التحسين والتطوير يشكلان أساسًا من أسس العمل الوطني على كافة المستويات.
ووفقًا لهذا اليقين المتحقق، شهدت المؤسسات السياسية والدستورية آلية التدرج، حيث أخذت مسيرة الشورى في السلطنة تتطور وتتوسع صلاحياتها وفق مقتضيات كل مرحلة تخطوها البلاد في مسيرة التنمية الشاملة وبناء الدولة العمانية العصرية، فقد شهد العام 1991م توسع الممارسة الديمقراطية من خلال تجربة مجلس الشورى بعد أن كانت المرحلة التي سبقته معتمدة على مجلس استشاري "المجلس الاستشاري للدولة". ليشهد بعد ذلك العام 1997م النضج في عملية الممارسة الديمقراطية من خلال إنشاء مجلس عُمان ليضم مجلس الدولة ومجلس الشورى لتوسيع الاستفادة من ذوي الخبرة والاختصاص في دفع المسيرة السياسية قدمًا إلى الأمام، ثم جرى توسيع اختصاصات المجلسين (الدولة والشورى) ومنحهما صلاحيات أكبر في رقابة ومراجعة خطط التنمية وموازنة الدولة، ونشأ مناخ من الحوار الموضوعي الهادف والبناء تحت قبة المجلس مع أعضاء الحكومة.
إن تطور العمل الشوري والممارسة الديمقراطية في بلادنا عكسه مجلس عمان بصورة حضارية لافتة، الذي بات مصدر ثقة ومرجعًا ومستندًا لكل من الحكومة والمواطنين، لكونه القبة الجامعة للآراء والأفكار والمتطلبات والاحتياجات، والمشاركة في سن القوانين والأنظمة.
ويأتي احتفال مجلس الدولة اليوم الأربعاء بمرور عشرين عامًا على إنشائه بحضور معالي رئيس المجلس، والمكرمين الأعضاء، وعدد من أعضاء المجلس السابقين تعبيرًا صادقًا عن النجاحات والإسهامات التي قدمها مجلس الدولة في مسيرة التنمية الشاملة، والبناء العصري للدولة العمانية الحديثة، ودولة المؤسسات، فهو مجلس يحظى بثقة القيادة الحكيمة، فالمواد المنظمة لعمل مجلس الدولة تنص على أن من صلاحيات المجلس تشكيل لجنة تتولى تنسيق العلاقة مع الحكومة بما يخدم المصلحة العامة، وينفذ بأمانة التوجيهات السامية التي يوجه بها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ حيث يتمتع مجلس الدولة بعديد من الصلاحيات الممنوحة له مثل تقييم الدراسات والمقترحات والخطط والبرامج الحكومية بهدف تحسين الأداء، وكذلك مراجعة مشروعات القوانين التي تعدها الوزارات والجهات الحكومية والتعديلات المقترحة عليها، ولأن مجلس الدولة يضم أعضاء من مختلف الولايات ومؤسسات الدولة المختلفة ومن ذوي الخبرة والتجربة في مختلف المجالات، كذلك فإن دور المجلس يشكل واحدة من أبرز وجوه الممارسة الديمقراطية في السلطنة، حيث يستطيع العضو نقل رأيه ويعبِّر عن تطلعاته وآماله فيما يتعلق بعملية التنمية.
وما من شك أن مظاهر الغبطة والسرور ستكون بادية على رئيس مجلس الدولة وأعضائه المكرمين، كما سيكون الاحتفال فرصة للتعبير عن مشاعرهم، من خلال الكلمات التي ستلقى، والعديد من الفقرات التي تشتمل على عرض لوقائع افتتاح مجلس عمان بتاريخ 27-12-1997م، وتقديم عرض مرئي لأهم إنجازات مجلس الدولة طوال العقدين الماضيين، إضافة إلى عرض وثائقي عن المجلس يستعرض مراحل تطور مسيرة الشورى في السلطنة، واختصاص وصلاحيات المجلس وآلية عمله وعضويته.