[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/05/amostafa.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.احمد مصطفى [/author]
”ربما لم تكن مغامرة "وادي شاب" مثل زيارة الجبل الأخضر، حيث يوجد منتجع سياحي هو الأعلى عن سطح البحر في الشرق الأوسط، لكنها أعطتنا لمحة عن السياحة في عمان. لم يسعفنا الوقت لزيارة نزوى، ورؤية وديانها وزراعتها ومتحفها، ولا الجبل الأخضر طبعا، لكن يومين في مسقط عوضا عن ذلك. ففي السوق القديم في مطرح، وإلى جانب ما يباع دائما للسياح في بقية الأسواق القديمة في مدن المنطقة، تجد أشياء قديمة تحمل جزءا من تاريخ عمان.”

قضيت عدة أيام مع أسرتي سائحا في سلطنة عمان، لم أزر كل ما خططت له من أماكن ولكن ما زرته كان كافيا ليعطي المرء لمحة عن "السياحة في عمان". وجعلتني الرحلة أتذكر موضوعا في كتاب القراءة ونحن في المرحلة الابتدائية في مدارس مصر الحكومية كان بعنوان "السياحة في ليبيا"، ولم تكن ليبيا معروفة وقتها كوجهة سياحية مثل لبنان في ذلك الوقت. لكن درس كتاب المطالعة كان يتحدث عن شواطئ ليبيا على البحر المتوسط والواحات الخضراء في قلب الصحراء وبقايا آثار الحرب العالمية وبعض مواقع الآثار الرومانية. لكننا وجدنا في سلطنة عمان ما يفوق ذلك بكثير، إضافة إلى معالم تاريخية وتضاريس جبلية تحكي جزءا من تاريخ البلاد التليد.
نزلنا في العاصمة مسقط، في فندق صغير بنجوم قليلة لكنه على البحر مباشرة في منطقة شاطئ القرم يتميز بقلة عدد نزلائه. لكنني لاحظت وأنا أحجز قبلها بأيام أن غرفه كلها محجوزة كما هو حال أغلب الفنادق على شواطئ مسقط ما يدل على حركة سياحية نشطة ـ ليست بالضرورة من خارج البلاد. فلاتساع رقعة سلطنة عمان، يأتي بعض السكان من أماكن بعيدة إلى العاصمة فيحجزون في فنادقها ليوم أو يومين سواء قدموا لقضاء مصالح حكومية أو حتى للتسوق أو حضور حفل في دار الأوبرا السلطانية التي تعد معلما من معالم مسقط. أول ما يلفت انتباهك في العاصمة العمانية شبكة الطرق والجسور فيها والتي تربط أجزاءها ببعضها البعض، ذلك أن الجبال تتخلل أحياءها (التي كانت مدنا وبلدات متاخمة للعاصمة القديمة قبل أن تصبح مسقط الكبرى). لكن المميز للعين هو اللون الأبيض الذي يتخلل سفوح الجبال السمراء والبنية، فمباني مسقط غير شاهقة إلا فيما ندر وأغلبها باللون الأبيض مثل بنايات المدن الساحلية في أوروبا وغيرها. صحيح أن بنايات حديثة (أغلبها تجاري) بدأت تتخلل العاصمة ويغلب عليها المعدن والزجاج لكنها لم تغير شكل المدينة بعد إذ تظل المباني البيضاء وتراثية المعمار الطابع الطاغي.
يشكل البحر والجبل والوادي طبيعة عمان المميزة، وبين هؤلاء النخل والزرع، وقد لا يجد البعض في ذلك عوامل جذب سياحية قوية. على العكس، إذا كانت هناك السياحة التاريخية التي تعتمد أساسا على مواقع الآثار وسياحة التسوق والترفيه التي تعتمد على مواقع الإبهار الحديثة فهناك أيضا سياحة الطبيعة التي تستهدف المواقع البكر التي لم تغيرها تطورات الحداثة العمرانية والصناعية. ولعمان نصيب أيضا من سياحة التراث والترفيه، لكن الأهم لديها والذي عليها أن تعتمد عليه أكثر هو الطبيعة، بما في ذلك سماحة شعبها وطيبته. حسنا فعلت عمان أن لم تجار مواقع سياحية متطورة في المنطقة، فلا هي كانت ستسبقها في المنافسة ولا كانت ستستفيد مما حباها الله به من عوامل جذب. في اليوم الثاني لزيارتنا ذهبنا بالسيارة إلى وادي شاب، على الشاطئ الشرقي للبلاد مقابل نهاية خليج عمان واتصاله ببحر العرب. في الوادي، تجد شبابا عمانيين محليين يساعدونك دونما إبهار سياحي ترويجي وقد كان ذلك فارقا مهما عما يمكن أن تجده في مناطق سياحية في بلدان أخرى حيث الشركات تتولى الأمر فيصبح "بزنس" أكثر منه امتاع. وربما هذا هو المقصود من حفاظ عمان على عوامل جذبها السياحي (مع تطويرها طبعا لكن دون فقدان روحها) التي تمزج بين الطبيعة والناس.
ربما لم تكن مغامرة "وادي شاب" مثل زيارة الجبل الأخضر، حيث يوجد منتجع سياحي هو الأعلى عن سطح البحر في الشرق الأوسط، لكنها أعطتنا لمحة عن السياحة في عمان. لم يسعفنا الوقت لزيارة نزوى، ورؤية وديانها وزراعتها ومتحفها، ولا الجبل الأخضر طبعا، لكن يومين في مسقط عوضا عن ذلك. ففي السوق القديم في مطرح، وإلى جانب ما يباع دائما للسياح في بقية الأسواق القديمة في مدن المنطقة، تجد أشياء قديمة تحمل جزءا من تاريخ عمان. أغلبها أدوات بحارة من منظار إلى اسطرلاب مرورا بالبوصلة وأدوات ملاحة بحرية أخرى. لا عجب إذا أن مستكشفي القارات الجديدة من الأوروبيين استعانوا بالعمانيين قبل قرون ليكونوا دليلا بحريا لهم. ألم يذكر مؤرخو أوروبا في القرن الثاني للميلاد إحدى عجائب عمان على أنها "الميناء المخفي". ذلك الميناء الذي يواجه الآن القصر السلطاني، وعلى جانبيه قلعتان بناهما البرتغاليون.
قبل قرنين، كانت عمان تمتد إلى سواحل شرق افريقيا، وما زال قصر سلطانها بالقرن التاسع عشر في احدى جزر زنزبار (تنزانيا الآن) مزارا للسائحين. ولعلها ما زالت تحافظ على قدر من هذا الإرث الثقافي حتى الآن، وهذا أيضا ملمح مهم للسائح الذي يستهدف التعرف على المكان. كان العدد القليل من السائحين الأجانب الذين رأيناهم في وادي شاب غير دال على نسبة الإشغال في فنادق مسقط حين كنا نحجز، لكن يتذكر المرء بسرعة أن مواقع أخرى ربما تكون أكثر امتاعا من هذا الوادي تجتذب سياحا آخرين. فبالقرب من وادي شاب هناك وادي طيوي الذي يستهوي الزوار الأكثر شبابا منا، إذ إنه يحتاج لسيارات دفع رباعي ونزول بالحبال والسباحة إلى شلالات تدفق مياه الوادي بين الجبال.يبقى الأكثر تأثيرا، أن زيارة قصيرة للسلطنة تجعلك تخطط لزيارة، وربما زيارات، أخرى.