[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
في أحد الأفلام التي شاهدتها، لا أتذكر اسم الفيلم، تقتحم عصابة أحد البنوك، وتنجز مهمتها على أفضل وجه، لكن الغريب في الجزء الأخير من عملية السطو، أن أفراد العصابة لم يغادروا المبنى من الباب الرئيسي وإنما سارعوا لاستخدام المصعد للوصول إلى سطح المبنى بعد تجاوز عشرات الطبقات، وبدا المشهد غريبا، إذ إنهم وضعوا أنفسهم في خانق ضيق ولمجرد وصول قوات الأمن والشرطة لن يتمكنوا من الإفلات من قبضتهم، ثم تصرفوا بطريقة مثيرة للانتباه، عندما اتصل أحدهم بأشهر قناة تلفازية أميركية، ليخبرهم بوجود عملية سطو في المصرف الموجود في المبنى الفلاني، وأعطاهم عنوان المبنى، وسرعان ما تبين مخطط هؤلاء، إذ ابتكروا خطة في غاية الذكاء، فقد كانوا يعرفون أن هذه القناة التلفازية تستخدم المروحيات في الوصول إلى الأحداث المثيرة لتحقيق السبق الصحفي والتلفزيوني، ووقف عدة أشخاص يرتدون زي الشرطة فوق سطح المبنى، وما أن هبط الفريق التلفزيوني من مصورين ومراسل وبقية الكادر، حتى سيطر الذين يرتدون زي حراس أمن على الطاقم الصحفي بما فيه قائد المروحية وقيدوهم، ليقفز أحد أفراد العصابة الذي سبق وتدرب على قيادة المروحية، وتبعه باقي العصابة، وخلال أقل من دقيقتين غادروا المكان ومعهم ملايين الدولارات التي سرقوها من خزائن البنك.
مناسبة هذا الحديث، أن العقول التي تضع الخطط بما فيها خطط السطو والجريمة تبحث باستمرار عن البديل الذي يمكنهم من النجاح في خططهم، وخلال عقود من السرقات الكبرى للبنوك في مختلف أرجاء العالم، تم اتخاذ كافة الإجراءات المطلوبة للحؤول دون نجاح عمليات السطو، فهناك الشرطة المدربة على مكافحة عمليات السطو والتصدي لهم، وخطط الطوارئ لنشر قوات طوارئ، وقبل ذلك كاميرات المراقبة داخل البنوك وخارجها، لكن سرعان ما وضعت عصابات السطو خطة غريبة وغادروا المبنى مع المبالغ الطائلة بطائرة تابعة لقناة تلفزيونية، وبينما أراد فريق العمل التلفزيوني الحصول على سبق في الأخبار المحلية تحول هؤلاء لخبر مثير جدا.
إن توظيف العقول في الحيز السلبي ليس جديدا، ولم يقتصر على عصابات سرقة الأموال الطائلة من المصارف، وإنما يتواجد في جميع مناحي الحياة، وعندما تحدثنا عن الظروف التي تسببت بنقل مركز سوق الذهب في العالم خلال القرون القليلة الماضية، فإن عقولا تقف وراء تلك النشاطات، ورغم أن الحاجة قد تدخلت لتلك الانتقالات، فإن عقولا أخرى اخترعت أولى طرق السطو على البنوك، وعلى الأموال التي يتم نقلها في القطارات، وصولا إلى عمليات سطو كبيرة شهدها العالم.
ظهرت أفلام عديدة في القرن العشرين تروي قصصا ووقائع بعضها واقعي الآخر من الخيال لحوادث السطو المسلح، وكان أحد أهداف تلك الأفلام بعد الهدف التجاري إعطاء دروس للأجهزة الأمنية التي كانت تتدارس خطط العصابات التي تبدعها عقول كتاب السيناريو، لكن تبين أن العصابات تتدارس أيضا تلك الخطط من خلال الأفلام وتطور خططها.