الصيام يعزز في نفس المسلم مجاهدة النفس في منع الشح أوالتخفيف منه
زيادة الإنتاج في شهر رمضان تهدف لتحقيق المنافع المعنوية والروحية
دمشق ـ "الوطن":
تزدحم الأسواق وتعمر بروادها الذين يطلبون حاجاتهم من الغذاء والكساء .. والتي تزيد في شهر رمضان المبارك عنه من بقية أشهر السنة، وبالتالي تنشط حركة السوق ويزيد العرض لبعض المنتجات، فيقل سعرها، في حين نفتقد لبعضها الآخر فيقل عرضها ويزيد الطلب عليها فيرتفع سعرها، عن الآثار الاقتصادية للصيام في شهر رمضان المبارك تحدث لنا الدكتور احمد الزين المتخصص في الاقتصاد الإسلامي بقوله: تتجلى الآثار الاقتصادية للصيام في زيادة الإنفاق، إذ أن الصيام يعزز في نفس المسلم مجاهدة النفس في منع الشح أوالتخفيف منه، حيث يحثه على التصدق بالمال ليفوز برضاء الله عز وجل، والتصدق بالمال والطعام مستحب في غير رمضان، ويتأكد ويزداد طلبه في رمضان، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال:" من أطعم أخاه حتى يشبعه، وسقاه من الماء حتى يرويه باعده الله من النار سبع خنادق ما بين كل خندقين مسيرة خمسمائة عام" ـ في حديث رواه الطبراني والحاكم والبيهقي.
وفي رمضان يعلم المتصدق والمنفق أن له بهذا أجراً عظيماً، لذلك فهو بكثير من الصدقة، لما لها من أهمية وفضل عظيم في الأوقات عامة، وفي رمضان بخاصة، قال النبي (صلى الله عليه وسلم):"أفضل الصدقة أن تشبع كبداً جائعاً" ـ أخرجه البيهقي.
ويزاد في رمضان في رزق المسلم، ومن ثم يزاد في إنفاقه المال، قال الرسول (صلى الله عليه وسلم):"وهو شهر الصبر ، والصبر ثوابه الجنة، شهر المواساة ،وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه ". رواه ابن خزيمة في صحيحه. وروى أنس رضي الله عنه قال: " سئل الرسول (صلى الله عليه وسلم) أيّ الصدقة أفضل ؟ قال : صدقة في رمضان " رواه الترمذي، وقال : "حديث غريب".
وقال: الإسلام يحث المسلم على التوسط والاعتدال في إنفاقه واستهلاكه، بهدف ترشيد الاستهلاك، وأورد مثال على ذلك قوله تعالى:"والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يفتروا وكان بين ذلك قواما" (الفرقان ـ 67).
وذكر أيضاً النبي (صلى الله عليه وسلم) المسلم حث على الأخذ بمبدأ الأولويات في إنتاجه أو إنفاقه أو استهلاكه، فأرشده إلى أن يبدأ بالأهم فالأهم بقوله (صلى الله عليه وسلم): "أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله، رواه مسلم. ويدل على هذا المبدأ أيضاً أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع، وأنا ذو مال ، ولايرثني إلا ابنة، أفتأصدق بثلثي مال؟.قال: لا فقلت : بالشطر فقال : لاثم قال : "الثلث كبير أو كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس .." ففي الحديث دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يكون رشيداً في تصرفاته الاقتصادية.
وقال: إن مبدأ الترشيد يتأكد في رمضان أيضاً "إذ نلاحظ أن بعض المجتمعات الإسلامية قد تعودت الإسراف في الاستهلاك في الأوقات كافة، وبخاصة في رمضان، فهذا يخالف الحكمة التي شرع من أجلها الصيام. وإننا نلاحظ أيضاً أن تصرفات بعض الناس قي رمضان تخالف ماهو مطلوب منه في رمضان وغيره. فتجد بعضهم يتكلف بشراء مالايسعه دخله، بل قد يستقرض أحياناً، وهذا خلاف السنة، فقد بين النبي (صلى الله عليه وسلم) أن زيادة النفقة على الأهل والعيال في أيام الصيام مطلوبة فيما يقدر عليه الإنسان من غير تكلف. قال صلى الله عليه وسلم " من أوسع على عياله وأهله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سار سنته" أخرجه البيهقي وغيره.
وقد بيّن النبي (صلى الله عليه وسلم) أن فطّر صائماً في رمضان ولو على قليل من التمر أو الماء فقد حصل على الأجر، وأنه لاينقص من أجره شيء، فقال : " من فطّر صائماً كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبة من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا: ليس كلنا يجدُ ما يفطر الصائم ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو بشربة ماء أو مذقة لبن" رواه ابن خزيمة في صحيحه.
واوضح بأن الإسلام يحث على زيادة الإنتاج الذي لايهدف إلى تحقيق النفع المادي فحسب ـ كما هو الحال في النظم الاقتصادية الأخرى،بل يسعى لتحقيق المنافع المعنوية والروحية التي تحقق السعادة الدائمة للإنسان في الدارين ، والمسلم لاينتج ليسد حاجاته فحسب، بل لينفع خلق الله، وليستغني عن الناس، ويعد الصوم من العبادات التي تعزز المسلم للإنتاج والعمل فيما ينفع نفسه ومجتمعه، والذي يدفع لزيادة الإنتاج في رمضان هو ترغيب الإنسان للحصول على أجر عظيم ، لأن الحسنات تضاعف في رمضان ، لقوله (صلى الله عليه وسلم): "إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب السماء فلا يغلق منها باب حتى يكون آخر ليلة من رمضان، وليس عبد مؤمن يصلي في ليلة فيها إلا كتب الله له ألفاً وخمسمائة حسنة بكل سجدة" ـ رواه البيهقي، وفي حديث آخر قيل فيه:"ياأيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه" ـ رواه ابن خزيمة قي صحيحه.
فنلاحظ من فقه الحديث وإرشاداته أن من يعمل فيه بخصلة من خصال الخير سواء أكان عملاً يدوياً أم فكرياً، عبادة كان أو غيرها فقد ضوعف له الأجر . هذا ما يدفع المسلم للعمل في رمضان ليحصل على هذا الأجر العظيم .
وكل الأعمال الاقتصادية في نظر الإسلام تعد أعمالاً إنتاجية ما دامت مشروعة، سواء أكانت هذه الأعمال بدنية أم ذهنية، وهذا العمل بنوعيه يعد عبادة، ويؤجر المسلم عليه قال تعالى:"ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون"(يس ـ 35).
وقال أيضاً:"وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى"(الكهف ـ 88). والعمل الصالح هو العمل الذي يتفق مع شرع الله عز وجل سواء أكان زراعة أو صناعة أم تجارة …. ومن هنا ندرك خطأ من فهم أن الصوم يؤدي إلى ضعف النشاط الاقتصادي بل العكس هو الصحيح لما ذكرنا.
وقال: يتم ذلك عندما يترتب على المفطر عمداً عتق رقبة فإن لم يستطيع فيصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع يطعم ستين مسكيناً وجبتين مشبعتين أو يدفع لكل فقير نصف صاع من القمح أي مايعادل 2 كيلو جرام، أو قيمة ذلك ويترتب كذلك على المريض الذي لايرجى برؤه والعاجز عن القيام فدية عم كل يوم أفطره نفس مقدار الكفارة وتوزع على مستحقي الزكاة.