[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” هي الآمال والأحلام الفتية المتجددة دائما وأبدا النابضة بالحياة، ومع ذلك النبض والنشاط والحيوية تتجدد حياة الإنسان ويسودها جو من التفاؤل فيستشعر النشاط والقوة من جديد، والشاعر يقول (العمر يهرم والآمال ولدان)، ونحن في حاجة دائمة إلى الأمل وإلى التفاؤل والنشاط لكي نجدد حياتنا ونستعيد حيويتنا ونتغلب على مشاكل الحياة واحباطاتها وعلى المرض والشيخوخة ..”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإنسان في هذه اللحظة الزمنية أو الحاضر الذي يعيشه، المعبر عن عمره الحقيقي، وجوابه المتغير الذي يقدمه للناس كلما وجهوا إليه سؤالا (كم عمرك ؟) وهو سؤال لا يفتأ معظمنا يوجهه إلى البعض، فضولا أو نكاية وإغاضة، وترتفع نسبة الاستيضاح في المناسبات خاصة، أثناء استقبال مولود أو حفيد أو الزواج بامرأة ثانية أو ثالثة .. لإجراء مقارنة بين شخص وآخر أو لارتباط ولادة السائل وطفولته وذكرياته وعمره مع الموجه إليه السؤال، أو بغرض التقييم والمقارنة بين الملامح والصحة والحيوية والنشاط وسنوات العمر وأيهما سبق الآخر، فكثيرا ما نجد إنسانا تجاوز مرحلة الشباب بكثير ولكنه لا يزال محتفظا بحيوية ونشاط وملامح وروح الشباب والعكس صحيح، وقد يرد السؤال في الاستبيانات والمعاملات اليومية .. نعم - الإنسان - في لحظته الراهنة التي يعيش أحداثها وتفاصيلها الدقيقة المرتبطة بحياته وشئونه ومجتمعه يتطلع في شوق ولهفة وشغف إلى الغد، في رغبة قوية للاستكشاف واستطلاع ومعرفة ما يخبئه هذ القادم من مفاجآت وأخبار وأحداث، ترتبط تلك الرغبة في قوتها وضعفها وتشكلها وتكونها بطبيعة وثقافة ورؤية كل إنسان للحياة وتطلعاته واستثماراته وطموحاته وتوجهاته، وما بناه اليوم لغده، الاطمئنان على الموافقة على الطلب المقدم لإنشاء المشروع بعد دراسة جدواه من قبل الجهة أو المسئول المختص بذلك، بلوغ الترقية التي يتطلع إليها، الحصول على الأرض أو توقيع الاتفاقية التي تحمل مكاسب وامتيازات كبرى أو افتتاح المجمع التجاري أو قطف الحصاد من المزرعة وبيعه في الأسواق، نسبة أرباح الشركة واستثماراتها التي وضع فيها كل ما يملك، ونتائجها مرتبطة بالغد .. في الغد ستعلن نتائج الامتحانات أو ستطرح أسماء الفائزين في المسابقة أو سيظهر أول مقال ينشر في الصحافة المحلية أو استضافة مهمة في التفزيون تظهره لأول مرة على الشاشة يتحاور من خلالها مع الجمهور .. قد يصدر المرسوم السلطاني أو القرار الوزاري بالتعيين في منصب مهم ووظيفة كبيرة .. قد تتغير في الغد ظروف اليوم وتداعياته من فقر ومرض ومشاكل حياتية متعددة، أو ترتفع قيمة الأسهم في سوق الأوراق المالية أو العقارات أو يرتفع عدد الزبائن فتنتهي أزمة السلع المخزنة في المخازن، كلنا ينتظر الغد بفارغ الصبر باللهفة والشوق، يفرح الإنسان بالجديد فلا يعلم ماذا يخبئ له هذا الجديد .. لماذا نودع الحاضر بمشاعر جامدة تخلو من الحزن والأسى والألم ومن الحميمية وكأننا نرغب في التخلص منه وفي سرعة انقضاء أجله؟ لماذا نتطلع إلى المستقبل باشتياق؟ مع أننا ندرك ونعلم علم اليقين بأن انقضاء شمس هذا الحاضر وانفلاته من بين أيدينا يعني انقضاء جزء من أعمارنا؟ هي خطوة أخرى تنقلنا إلى مرحلة الشيب والضعف والمرض والحاجة إلى من يعتني بنا ويساعدنا ويتولى أعباء شيخوختنا .. هي الآمال والأحلام الفتية المتجددة دائما وأبدا النابضة بالحياة، ومع ذلك النبض والنشاط والحيوية تتجدد حياة الإنسان ويسودها جو من التفاؤل فيستشعر النشاط والقوة من جديد، والشاعر يقول (العمر يهرم والآمال ولدان)، ونحن في حاجة دائمة إلى الأمل وإلى التفاؤل والنشاط لكي نجدد حياتنا ونستعيد حيويتنا ونتغلب على مشاكل الحياة واحباطاتها وعلى المرض والشيخوخة .. وإلا كيف ستكون حياتنا لو استسلمنا للتشاؤم والأمراض والشيب وللمشاكل ووضعنا أيدينا على خدودنا نفكر في الزمن وهو يسلبنا شبابنا وقوتنا وسنوات عمرنا؟ فنهرم مع ذلك الاستسلام وتتلاشى الآمال والأحلام ونترك ما في أيدينا من عمل ومن خطط وبرامج فتضيع الحياة ويقوم الهدم مقام البناء والخراب بدلا للعمران .. إنها الحكمة الإلهية، آمال وأحلام وتطلعات مقاسة بحجم ومكانة ومستوى الطموح والحياة والوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه الإنسان وامكاناته، تحصل القلة القليلة على كل ما وضعته في حساباتها وما أرادته وتطلعت وسعت إليه وفكرت فيه، ويحصل البعض على جزء من تلك التطلعات والأهداف، ويحرم منه آخرون، ويأتي الغد بعد الغد فلا يجدون فيه ما يودونه ويتطلعون إليه ويحلمون به ولكن يظل الأمل متجددا لا يصيبه الهرم ولا يعترف بالهزائم، يجدد نشاطهم وقوتهم وعزائمهم وسعيهم وتطلعهم إلى الجديد، من يعيش حياة مستقرة خالية من المنغصات والشدائد والمشكلات يطمع في يوم جديد يحافظ فيه على هذه الحياة المستقرة الهانئة ويعزوه الأمل بأن يقدم له غده المزيد من عوامل ومسببات هذا الاستقرار ومقومات النجاح، ومن يعيش حياة فقر ومرض ومشاكل فنظرته إلى الغد تحمل شيئا من الأمل في القدرة على التغلب على تلك المشاكل وبالتغيير إلى الأفضل .. ومع أن إطلالة يوم جديد ووداعنا ليوم انصرم وولى يعني أن العمر قد شهد نقصا والنهاية قد أضحت قريبة إلا أنه دائما ما يغلب الحس بالتفاؤل والتطلع إلى شمس الغد المشرقة على حقيقة النقص والنهايات، هذه المعادلة وبرغم ما تحمله من تناقضات إلا أنها ضرورة حياتية تخدم الإنسان وتجدد لديه الأمل وحب الحياة وتدفعه إلى العمل والجد والتطلع بأمل وشوق إلى يوم جديد، ولولا تلك المعادلة لعاش الإنسان حياته بائسا محبطا وهو يتفرج على عمره يتناقص وحياته تتلاشى تدريجيا، لقد جرت العادة أن يستقبل الناس العام الجديد بتفاؤل ليس ثمة منطق يبرره ولكنها النفس البشرية المتفائلة أبدا بتغيير إلى الأفضل أو الأقل سوءا، وهو ما يتفق مع قول الشاعر العربي: يذكرني الهلال بنقص عمري * وأفرح كلما طلع الهلال. إن (ذهاب عام ومجيء آخر ظاهرة أوجدتها المجتمعات تبعا لظروف خاصة ولذلك تختلف التقاويم التي تسجل مفاصل تاريخ هذه الشعوب وأحداثها الكبرى) .. لحظة بعد لحظة، وساعة تدفع أختا لها لتحل محلها بعد أن تغادر موقعها، ويوما يخلعه الكون ليرتدي يوما آخر جديدا، وشهر نودعه لنستقبل واحدا بمسمى مختلف عما سبقه، هكذا تتحرك عقارب الزمن لتسحب معها اللحظات والساعات والأشهر وتستجيب الكائنات الحية جميعها لحركة الزمن تجري بجريانه، أعمارها، أحلامها، طموحاتها، أحداث ومواقف وقرارات ونتائج ومشاهد تولد وتنشأ فتتلاشى وتختفي، هكذا هي الحياة ولادة وموت، وهما معا مرتبطان بحركة الزمن، يولد عام ويختفي آخر، يفتح مواليد جدد عيونهم على عالم جديد لم يألفوه، وينسحب آخرون منه، تولد أحلام وتتلاشى أخرى مثلها، نحتفل بالأعوام والسنوات الجديدة ونصنفها ضمن المناسبات الكثيرة التي نحتفي بها، نهنئ أحبتنا وأصدقائنا ومعارفنا بمقدمها الميمون السعيد مع أنها تعني خسارة جزء من أعمارنا، ومع ذلك ومع كل عام جديد علينا أن نجعل من التفاؤل مفتاحا لحياتنا لا نفارقه أبدا، مفتاحا يهبنا النشاط والقوة والتجديد والحب، فما أحوجنا إلى كل تلك المنشطات لتصبح حياتنا سعيدة .
[email protected]