دعوى أن الإيمان هو التصديق بالقلب، أو هو التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، أما العمل فهو خارج من مسمى الإيمان، يعني أن الإنسان يكون كامل الإيمان بالتصديق والإقرار، ولو لم يعمل بمقتضيات الإسلام، إذ لا قيمة للعمل في الإسلام، وعليه فإنه لا يضر مع الإيمان شيء، بمعنى أنه لا يضر مع الإيمان القلبي ترك ما أمر الإسلام به، أو فعل ما نهى الإسلام عنه، وعندئذ تكون أحكام الإسلام نظرية خواء، وتعاليمه هزيلة جوفاء، لا أثر للإسلام في الحياة والواقع.
لا شك أن هذا المفهوم خاطئ يناقض ما جاء في القرآن الكريم، وما جاء في السنة النبوية، فالإسلام تصديق بالقلب، وعمل بالأركان، وقد قرن الله تعالى الإيمان بالعمل الصالح في كتابه العزيز من ذلك قوله تعالى: { والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } سورة العصر، وقوله تعالى: { إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً* ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً } سورة الفرقان الآيتان"70-71"، وقوله تعالى: { إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً } سورة مريم الآية"60"، وقوله تعالى: { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى } سورة طه الآية"82" والآيات كثيرة في هذا الشأن.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان مثالاً يحتذى في العمل بالإسلام، فكان قدوة في عمل كل ما أمر به الإسلام، وقدوة في ترك ما نهى عنه الإسلام
وأقول: لأصحاب هذا المفهوم هل تستقيم الحياة، وهل يكون للإسلام أثر بمجرد النطق بلا إله إلا الله، وهل الجنة التي هي سلعة الله الغالية تكون رخيصة متاحة لكل من يقول لا إله إلا الله، وإن لم يعمل مقتضياتها؟!!!، يقول محمد قطب وهو يتحدث عن حقيقة لا إله إلا الله وأثرها في حياة الصحابة وهم الجيل الأول للإسلام: " لقد غيرت لا إله إلا الله كل شيء في حياة الجيل الأول، وأنشأت في مكانه واقعاً جديداً كل الجدة، وارتبط هذا الواقع الجديد في حسهم بلا إله إلا الله؛ لأنها هي التي أحدثته بالفعل في داخل النفوس وفي واقع الحياة...
لذلك كان الإيمان بـ" لا إله إلا الله " موازياً في حسهم لهذا التغير العظيم كله، بل مؤدياً إليه في الحقيقة، فلم تكن في حسهم هي الكلمة، إنما كانت موجودة في حسهم بمدلولها، بمقتضياتها، بترجمتها الواقعية، وكانت ترجمتها الواقعية هي ما تشتمل عليه حياتهم من كل شيء؛ من اعتقاد بوحدانية الله، إلى صلاة وصيام وزكاة وحج تؤدى كلها لله الواحد بلا شريك، إلى إقامة الحياة بكل دقائقها على مقتضى ما جاء من عند الله،. وهل ل " لا إله إلا الله " معنى غير ذلك؟ أو ترجمة غير ذلك؟!
صحيح أن لتحقيق لا إله إلا الله في عالم الواقع درجات مختلفة – تقابلها درجات مختلفة من الجنة – كلها ترجمات لها، أدناها الحد الأدنى المفروض، وأعلاها تلك النماذج المتفردة التي أتى بها الجيل المتفرد، ولكنها في كل درجاتها الصحيحة لا تهبط عن الحد الأدنى المفروض، لا تهبط عن الاعتقاد بوحدانية الله، وإقامة الشعائر التعبدية له وحده بلا شريك، وإقامة الحياة بمقتضى ما جاء من عند الله.. ثم ترتفع ما شاءت بعد ذلك في دقة الأداء، وعمق الأداء..
ولكنها ظلت خلال القرون المتوالية تضمر تدريجياً في حس الناس، وظل مفعولها يضمر في داخل النفوس وواقع الحياة، حتى أصبحت في النهاية لا تعمل.. وإنما تقال فقط، ثم تجري الحياة بعد قولها في مجراها الذي تسوقها إليه الظروف، كمن يضع في طريق التيار حاجزاً يريد به ضبط التيار أو تحويله، ولكن الحاجز مملوء بالثقوب، فهو قائم ولكنه لا يصنع شيئاً، والماء يجري من خلاله كأنه غير موجود! أو كورقة العملة المزيفة، تحمل ذات الألفاظ والرسوم التي تحملها الورقة الحقيقة، ولكنها لا تغني صاحبها، ولا تشتري له شيئاً من السوق إن لم تعرضه للعقاب وللخزي.. لأنها ورقة بلا رصيد!" واقعنا المعاصر ص155-156.

د. يوسف إبراهيم السرحني