والصراع الإنساني لا يهدأ، و الشياطين لا تمل، والأهواء لا تفتر، والشر لا يسكن أو يتوارى، والأمة الناضجة والإنسان الفاهم والفكر النابه، هو الذي يبحث عن الحقيقة ويجري وراء الصواب وكذلك كان النابهون : عن حذيفة رضي الله عنه قال : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : ( نعم ، قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : (( نعم )) وفيه دخن )) قلت وما دخنه ، قال : قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر )) قلت : وهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : ((نعم )) دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها )) قلت : يا رسول الله صفهم لنا ، قال : هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا ، قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ، قال تلزم جماعة المسلمين وأمامهم ، قلت فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك )) البخاري ومسلم.
والأمة المسلمة اليوم يجب أن تراجع نفسها وأن تحدد هواها ، وأن تنظر خطوها وأن تسائل نفسها: لم ضاع منها الطريق والتوى بها الدرب؟ ولم انحلت عراها وتناوشتها الذئاب والثعالب؟ ولم دب فيها الوهن وضرب الكسل؟ وهل هي اليوم تقتدي وتتأسى برسول الله وصحبه وتسير على هداهم ، وهل هواها تبعا لله ورسوله ، وهل مازالت تحن إلى سيرته وتشتاق إلى لقائه كما يشتاق إليها؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( وددت أني قد رأيت إخواننا فقالوا يا رسول الله السنا بإخوانك قال: بلى انتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض: فقالوا يارسول الله كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك ، قال:( أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل دهم بهم، إلا يعرف خيله) قالوا: بلى يا رسول الله ، قال:فإنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء،وأنا فرطهم على الحوض،ثم قال: ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال ، أناديهم ألا هلم ألا هلم ، ألا هلم ، فيقال انهم قد بدلوا بعدك. فأقول: فسحقا ، سحقا ، سحقا).رواه مسلم ومالك في الموطأ وأحمد في المسند.
فالأمة الإسلامية اليوم إذا أرادت أن تنهض وتقوى وتعتز ، وأن تربي بنيها على الجد والهدى والرشاد، فلتتأسى برسولها وتسير على سننه وتترسم خطاه وخطا الصحب المؤمن والرجال الأبرار.
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: من كان منكم متأسياً فليتأسى بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً ، واقلها تكلفاً، وأقومها هدياً ، وأحسنها حالاً ، قوم اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإقامة دينه ، فاعرفوا لهم فضلهم ، واتبعوهم في أثارهم ، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.
فمن أراد الطريق فهي واضحة ، من أراد الهدي فهو بين ، ومن أراد العزة فهذه خطوات الرجال ، ومن أراد النصر فهذا تاريخ الأبطال ، ومن أراد الريادة والسيادة والمجد في الدنيا والآخرة. فهذا كتاب الله وسنة رسوله وسيرة السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين.
فأقروا هذا التاريخ وعلموا أولادكم هذه السيرة ...........
فهولاء هم اءباؤنا فجئني بمثلهم..
إن لكل أمة معالم تنتهي إليها، وحدوداً تلزمها، وتعاليم تسير عليها، وشرعة تطمئن إليها، ورواداً تقتدي بهم وتبني، على منوالهم.
وقد حبا الله أمة الإسلام بكل ذلك، وخصها بالفضل العميم والخير الجزيل ، وأعطاها من آي الكتاب ومن قصص الأنبياء وسيرتهم، وجهادهم، ما حرك الهمم وأحيا النفوس.... وبعث فيها رسولاً إماماً شاهداً وسراجاً منيراً ، علم الإيمان ، وأسس جيلاً على التقوى والحق والعرفان ، فأنار العالم وهدى الطريق وكشف الغمة وفتح عيونا عمياً وإذاناً صماً، وأخرج الناس من الظلمات إلى النور ، وها نحن أصحاب ذلك التراث وورثة ذلك النور ، نحب أن نسير على الدرب وأن ننتفع بهذا النور، عسى الله سبحانه أن يحق الحق ويبطل الباطل إنه على ما يشاء قدير.
نسأل الله أن يوفقنا لمراضيه ، وأن يجنبنا مناهيه ، وأن يجعل مستقبل حالنا خيراً من ماضيه ، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين .

أحمد محمد خشبه
إمام وخطيب جامع ذو النورين
[email protected]