[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
لم يكن الانسحاب الإسرائيلي الرسمي من عضوية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) أمس الأول مفاجئاً ، بل كان متوقعا بعد فترة من توتر العلاقة بين المنظمة وتل أبيب بسبب "شفافية " المواقف التي اتخذتها المنظمة خلال السنوات القليلة الماضية تجاه الكثير من الموروثات الإنسانية المادية وغير المادية التي صنفتها المنظمة ضمن قائمة التراث العالمي، وكان آخرها إدراج كنيسة المهد بالضفة الغربية ضمن قائمة مواقع التراث العالمي التي تشرف عليها المنظمة الدولية . ورغم أن انسحاب إسرائيل من اليونيسكو جاء بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية منها، إلا أن الأمر أكبر من مجرد تسجيل موقف من جانب تل أبيب لترضي به الإدارة الأميركية الجديدة التي حرصت منذ حملتها الانتخابية على إعطاء إرضاء إسرائيل الأولوية القصوى في قائمة أولويات سياسة واشنطن الخارجية رغم أنف حلفائها بمختلف دياناتهم وانتماءاتهم العرقية. فضلا عن أن مواقف اليونيسكو ومناصرتها للفلسطينيين ليست هي مربط الفرس في هذا التوجه الإسرائيلي الأخير.
ويمكننا التعرف على المنطلقات الأساسية لإسرائيل عبر الوقوف على جغرافية المكان التي تضم بين جنباتها مواقع التراث العالمي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وداخل إسرائيل، حيث توجد بتلك الجغرافية 13 ثلاثة عشر موقعا مصنفا من ضمن مواقع التراث العالمي، 4 أربعة منها بالضفة الغربية و" القدس الشرقية " و9 تسعة مواقع داخل إسرائيل.
ومن ضمن تلك المواقع التراثية العالمية، البلدة القديمة لمدينة القدس بما فيها من المسجد الأقصى وقبة الصخرة ومنطقة البراق وكنيسة القيامة. وهناك أيضا تل أبو محفوظ شمال شرق مدينة بئر السبع جنوب فلسطين بالقرب من وادي الخليل ووادي بئر السبع. كما تشمل المواقع جامع الجزار بمدينة عكا، وطريق البخور الذي يمر بمدن صحراء النقب التي تشمل كلا من مدينة عبدات، ومدينة الخلصة، ومدينة ممشيت، وشبطا، بالإضافة إلى جبل الكرمل، وضريح الباب ومغارة الطابون وغيرها من المواقع الأخرى المدرجة بقائمة التراث العالمي.
وبهذا العامل الجغرافي يمكن أن تتضح الرؤى حول المنطلقات الإسرائيلية وراء انسحابها من اليونيسكو ، خصوصا عندما يتبين لنا أن اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي التي تبناها المؤتمر العام لليونسكو في نوفمبر 1972 تتضمن بندا يعرف باسم الحماية الوطنية والدولية للتراث الثقافي والطبيعي، حيث تنص المادة الرابعة في تلك الاتفاقية على التالي:
"تعترف كل دولة من الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بأن واجب القيام بتعيين التراث الثقافي والطبيعي الذي يقوم في إقليمها، وحمايته، والمحافظة عليه، وإصلاحه، ونقله إلى الأجيال المقبلة، يقع بالدرجة الأولى على عاتقها. وسوف تبذل كل دولة أقصى طاقتها لتحقيق هذا الغرض وتستعين عند الحاجة بالعون والتعاون الدوليين اللذين يمكن أن تحظى بهما، خاصة على المستويات المالية، والفنية والعلمية، والتقنية"
وبأخذ ماورد في هذه الاتفاقية مع اعتبار الظروف الجيوسياسية للمنطقة العربية التي تعتبر القدس وغيرها من مواقع التراث العربي قضايا محورية، وفي ظل تداعيات قرار الرئيس الأميركي ترامب بشأن نقل سفارة بلاده إلى القدس، وما تأكدت منه إسرائيل من أن العالم أجمع ضد هذه الخطوة التي تمهد عمليا لكي تصبح القدس المندرجة في قائمة التراث العالمي عاصمة لإسرائيل، كان لابد لتل أبيب أن تتملص من الالتزامات التي تفرضها عليها عضويتها في اليونيسكو، حتى يخلو لها الجو لممارساتها العبثية التي تشوه بها تاريخ تلك المدن والمواقع التراثية العالمية دون أي وازع أو احترام لأي مواثيق دولية. ... وبهذا فإن القادم تجاه تلك المواقع بعد انسحاب إسرائيل من اليونيسكو ربما يكون أكثر سوءاً وأبشع تشويها للمعالم التاريخية لتلك المواقع ... فماذا أنتم فاعلون ياعرب ؟.

طارق أشقر
من أسرة تحرير الوطن
[email protected]