بتصديق حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على الميزانية العامة للدولة بموجب المرسوم السلطاني رقم (1/2018) يعطي جلالته ـ أيده الله ـ الإذن بالانطلاق نحو مرحلة جديدة من مراحل البناء؛ ذلك أن الميزانية هي التي تؤمِّن نفقات التطوير والتحديث، واستمرارية تنفيذ برامج الخطط الخمسية الموضوعة، وتحقيق الرؤية الاستراتيجية للاقتصاد الوطني في المراحل المقبلة.
وكما هو معروف أن الميزانية ـ حالها حال أي ميزانية في أي دولة ـ تعبِّر عن الواقع الاقتصادي وأهمية الموازنة بين الإيرادات والإنفاق، وتعكس حجم التنامي في المتطلبات الضرورية التي تحسب الميزانية لها حسابها في توفير ما تحتاجه، وأهمية الحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي للدولة، ورفع معدل النمو الاقتصادي واستقرار المستوى المعيشي للمواطنين، ولعل ما يؤكد ذلك ـ وحسب بيان وزارة المالية الشارح لتفاصيل الميزانية ـ هو أن إجمالي الإنفاق العام بلغ نحو (12) مليارًا و(500) مليون ريال عماني بارتفاع قدره (800) مليون ريال عماني عن الإنفاق المقدر لعام 2017م، كما أن جملة الإيرادات المقدرة لهذا العام والتي تم احتسابها على أساس سعر النفط (50) دولارًا أميركيًّا للبرميل نحو (9) مليارات و(500) مليون ريال عماني بزيادة تبلغ (3) بالمئة عن الإيرادات الفعلية المتوقعة لعام 2017م، في حين من المقدر أن يبلغ العجز في الميزانية لهذا العام نحو (3) مليارات ريال عماني؛ أي بنسبة (10) بالمئة من الناتج المحلي، حيث سيتم تمويل هذا العجز المقدر بمبلغ (2.5) مليار ريال عماني من خلال الاقتراض الخارجي والمحلي، بينما سيتم تمويل باقي العجز والمقدر بنحو (500) مليون ريال عماني من خلال السحب من الاحتياطيات.
وعلى الرغم من الضغط الحاصل على كل بند من بنود الإنفاق، فإن الأرقام تؤكد التوجه الثابت للحكومة نحو مواصلة البناء، واستكمال المشاريع كافة التي هي قيد التنفيذ وعدم تأجيلها، حيث قدرت اعتماداتها المالية بنحو (1.2) مليار ريال عماني، والاستمرار في تنفيذ برنامج بناء المساكن الاجتماعية والمساعدات الإسكانية النقدية للفئات المستحقة من المواطنين بمبلغ وقدره (80) مليون ريال عماني، في حين بلغت مخصصات القروض التنموية والإسكانية نحو (30) مليون ريال عماني، وهو ما يعكس الحرص على الحفاظ على الوتيرة ذاتها في جوانب مسيرة التنمية.
صحيح أن الميزانية العامة للدولة لهذا العام 2018 كغيرها من الميزانيات في دول العالم ولدت من رحم أزمة اقتصادية عالمية جراء انهيار أسعار النفط خصوصًا بالنسبة للدول التي تعتمد في مصدر دخلها على النفط بنسبة أكبر، إلا أن هذا يجب أن يكون دافعًا للعمل الجاد من أجل التغلب على هذا الظرف الاقتصادي الطارئ، وأن لا نظل رهينة له، بل ينبغي التحرك السريع نحو معالجات خلاقة لكي نحسن من أدائنا ومن أداء اقتصادنا، ولندع وراء ظهرنا القلق والشكوى والتبرم، ومظاهر الكسل وغير ذلك، لكي نواصل نهضتنا الاقتصادية التي تعد القاطرة التي تسير بكل قطاعات النهضة المباركة في مساراتها المختلفة نحو المستقبل الأفضل، وأن نكون جميعًا الأمناء على تنفيذ رؤية جلالة عاهل البلاد المفدى بأن يتم استثمار موارد البلاد كافة على النحو الأمثل، سواء الموارد البشرية أوالطبيعية، كذلك تتنوع مصادر الاقتصاد وتتفرع مابين الشؤون المالية والمصرفية، والنفط والغاز والتجارة والصناعة والثروة المعدنية والزراعة والماشية وصيد الأسماك ثم الموارد المائية وإلى غير ذلك من مصادر جديدة ومتجددة مثل السياحة والتي تصنف في العرف الاقتصادي المعاصر على أنها نوع من الصناعات أيضًا، وهي جميعها مصادر ينبغي توظيفها التوظيف الأفضل والأكمل، واستغلال هذه الثروات أحسن استغلال، فالموارد غير النفطية تشكل صمام أمان وعنصر ضمان لاستمرارية وصيرورة حركة التنمية إلى الأمام. كما أن القطاع الخاص مدعو نحو المساهمة بصورة أكبر وأشمل، وأن يرتقي دوره إلى مستوى الطموحات والآمال، وأن يبرهن على أنه ضلع من أضلاع التنمية الشاملة في البلاد.