[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
كان الحدث المهم بالنسبة لليهود، هو تأسيس بغداد سنة 149هـ (763م) حيث قصدتها مجاميع كبيرة من اليهود، ووصلت المجاميع الأولى من أولئك الذين كانوا يسكنون في طيسفون قرب بغداد، واندفعت المجاميع الأخرى من اليهود إليها، لأن معظم الخلفاء العباسيين قد تميزوا بالتسامح والتساهل، وتمتع اليهود مثل الآخرين بقدر كبير من الاحترام وعاشوا بطمأنينة واستقرار، وكان ذلك خلال القرون الأولى من الخلافة العباسية.
يقول إبراهام بن يعقوب في (موجز تاريخ يهود بابل ص45) منذ أن أعلنت بغداد عاصمة للخلافة الإسلامية، بدأت الطائفة اليهودية هناك بالازدياد، بحيث أصبحت الطائفة اليهودية هي العظمى في العراق، واستقر رئيس الجالية فيها، وسكن يهود بغداد في ضاحية خاصة سميت باسم (دار اليهود) أو (ديرة اليهود) وسمي الجسر الذي وجد في الضاحية الغربية للمدينة باسم (قنطرة اليهود) أو (جسر اليهود) وكان الرباني احاي (احا) مسبحا واحدًا من كبار حاخامات فومباديتا القريبة من مدينة بصرى ولد في سنة (680م) وألف كتابًا باسم (استفسارات) وذلك سنة (750م) ويعد هذا الكتاب هو الأول بعد اكتمال التلمود، وهو ذو أهمية كبيرة ويسمى (جاؤون) ثم هاجر بعد ذلك إلى فلسطين ومات هناك سنة (752م).
واشتهر يهود العراق بعلم التنجيم والطلسمات، وذهبت شهرتهم بعيدًا في القرون الوسطى إلى أوروبا، وكان المنجمون اليهود يدخلون دار الخلافة، ومما ذكره ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان، أن منجمًا يهوديًّا زعم أن هارون الرشيد يموت في غضون تلك السنة، فاغتم الخليفة لهذا الأمر ولما علم جعفر البرمكي بحال الخليفة ركب إليه، فقال له جعفر أنت تزعم أن أمير المؤمنين يموت إلى كذا وكذا يومًا، قال نعم، قال وأنت كم عمرك، قال كذا وكذا ولكي يزيح الهم والغم من نفس الخليفة اقترح عليه أن يفعل ما يثبت أن هذا المنجم كذاب، وتلخص اقتراحه بأن يأمر بقتله، وعند ذاك سوف ينفضح أمر عمره، ونفذ الرشيد ذلك، فشعر بالارتياح وشكر جعفر البرمكي، وتدلل هذه القصة على أن معرفة اليهود بالتنجيم كان أمرًا شائعًا، وإن قصصًا كثيرة حدثت كما تحدثوا بها، الأمر الذي جعل الخليفة هارون الرشيد شبه مصدق لما قاله ذلك اليهودي، ولهذا سارع إلى تنفيذ كل ما من شأنه إثبات كذب ما قاله المنجم.
ومع أن إبراهام بن يعقوب في (تاريخ يهود بابل ص49) يقول إن وضع اليهود السياسي لم يكن مزدهرًا أيام الخليفة هارون الرشيد (786ـ809م) إذ عانوا كثيرًا وبالرغم من حبه للثقافة، فقد كان متعصبًا لدين الإسلام فاضطهد اليهود وسعى إلى إذلالهم، وضاعف من فرض الضرائب الثقيلة عليهم، وحدد لهم ملابسهم وتجارتهم وقوانين أخرى، ولا يذكر إبراهام بن يعقوب تفاصيل عن ذلك وأنواع القوانين الأخرى، كما أنه لا يذكر المصدر الذي استقى منه تلك المعلومات، أما يوسف رزق الله غنيمة فيقول في كتاب (نزهة المشتاق ص107ـ108) منذ نشوء الخلافة العباسية وحتى وفاة هارون الرشيد كان يهود العراق على أتم الراحة والهناء، وكان معظم الخلفاء العباسيين على جانب عظيم من التساهل مع هذا القوم وكان أكثرهم تساهلًا المأمون، فإنه رأف برعاياه، واستفاد من مواهبهم العقلية وذخائرهم العلمية على اختلاف أديانهم وتباين مذاهبهم وأطلق الألسنة والأقلام، ولما أراد هذا الخليفة أن يدون العلوم ويجمعها في دولته، جمع في بغداد ثلاثمئة عالم من كل فن من الفنون وعلم من العلوم، من كل جنس ودين فألف منهم أكبر ديوان للعلم.
وبالنسبة لليهود تحديدًا فقد وقعت الفتن بينهم في زمن المأمون كما يذكر ذلك القس بطرس نصري في كتابه (ذخيرة الأذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة السريان مجلد رقم 1 ص333) فقد تنازع الرئاسة فرق منهم، فحكم الخليفة بينهم وحل المسألة بقرار أن كل عشرة أنفار إذا اتفقوا يقومون لهم رأسًا عليهم، فقام النصارى من جانبهم واعترضوا على هذا الأمر الذي لم يوافق مصلحة رؤسائهم.