أما وقد أثبت كيان الاحتلال الإسرائيلي أنه كيان إرهابي تاريخي عنصري احتلالي من خلال ممارساته الممتدة طوال أكثر من ستة عقود والتي تفيض بها الأرض الفلسطينية والعربية وتترع بها كافة وسائل الإعلام، فإن منطق الأشياء يفرض ذاته اليوم أمام الشعب الفلسطيني وقياداته خاصة بوجوب التحرك اللازم لوضع حد لهذه الانتهاكات والممارسات غير الأخلاقية وجرائم الحرب، إذ لا عذر أمام الفلسطينيين يتذرعون به عن الامتناع عن القيام بواجبهم الوطني لرفع الظلم وإيقاف آلة القتل والتدمير الإسرائيلية، فقد بانت كل عورات عدوهم وانكشفت جميع سوءاته وعبر عنها وعن مشاريعه التصفوية بأكثر من وسيلة، وبالتالي لم يعد لدى الفلسطينيين ما يتنازلون عنه أو يخسرونه، فماذا بقي لهم لم يخسروه بعد خسارتهم الأرض والشجر والحجر والبشر؟
إن ما يدفعه الشعب الفلسطيني من أثمان باهظة هو نتيجة مواطن الخلل الكبرى في معالجة قضية الإرهاب الدولي المتمثلة في المساواة بين العمل الإرهابي المجرم والعمل المقاوم المشروع ضد المحتلين، وذلك حين عملت مواخير صنع القرار الغربية الداعمة والحليفة لكيان الاحتلال الإسرائيلي على المساواة بين المقاومة الفلسطينية وبين الإرهاب، واعتبار إرهاب الدولة الذي يمارسه المحتلون الإسرائيليون من جيش وقوى أمن وقطعان مستوطنين هو "دفاعًا عن النفس" ومواجهة الاحتجاجات وعبارات الاستنكار والإدانة لجرائم الحرب الإسرائيلية بالاسطوانة المشروخة (من حق "إسرائيل" الدفاع عن نفسها) وإتباع ذلك بعبارة (الالتزام بأمن إسرائيل").
وفي الوقت الذي يحاول فيه كيان الاحتلال الإسرائيلي المزاوجة بين القدرة على استدرار عطف حلفائه، وبين القدرة على ارتكاب أكبر قدر من جرائم الحرب والممارسات الإرهابية، يعمل حلفاؤه على الجانب الآخر على توظيف اسطوانتهم المشروخة في توفير العوامل اللازمة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، وكذلك عامل الوقت لتمكين حليفهم الإسرائيلي المحتل من مواصلة تحقيق أحلامه التلمودية في ما يسمى "يهودية الدولة" على أنقاض فلسطين التاريخية بأكملها، ولذلك لم تكن أحاديثهم عن "الديمقراطية الأوحد" في الشرق الأوسط والمتمثلة في كيانهم المسخ الإرهابي المحتل إلا بالقدر الذي كان يستدعيه فائض النفاق لستر جرائم الحرب وممارسات الإرهاب بحق الشعب الفلسطيني، وحين لم تعد لمثل هذه الأحاديث ضرورة لها، توارت ألسن النفاق عن إدانة جريمة الحرب بحق الأسرى داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وعن الجريمة الإرهابية البشعة بحق الفتى محمد أبو خضير، وعن العدوان الإرهابي المستمر على قطاع غزة وسقوط تسعة شهداء حتى كتابة هذه السطور، في حين خرجت تلك الألسن من بين الفكين والشفتين لتتفوه قذارة النفاق بإدانة اختطاف وموت ثلاثة من قطعان المستوطنين ملطخة أيديهم بدماء الأبرياء الفلسطينيين.
والمؤسف أن مع هذا الكم من إرهاب الدولة ـ تمارس قوى متحالفة استراتيجيًّا مع كيان الاحتلال الإسرائيلي ضغوطًا لترهيب الدول الرافضة لهذا الإرهاب والرافضة للانسياق الأعمى وراء الرؤى الاحتلالية الإسرائيلية. ولكن أيضًا مع كل ذلك لم يعد هناك عذر يندس خلفه الفلسطينيون بعد هذا الانكشاف لمشروع التصفية الخطير الذي يعمل عليه كيان الاحتلال الإسرائيلي، فهل هم فاعلون؟ هذا ما نتمناه.