[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
بينما يبدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب رحلة الدفاع عن نفسه ومستواه العقلي، على خلفية ما فجره كتاب "نار وغضب: داخل بيت ترامب الأبيض" للصحفي الأميركي مايكل وولف، وعن الأدوار تجاه تصفية القضية الفلسطينية، يبدأ العرب محاولة البحث عن فلسطين الدولة في أروقة منظمة الأمم المتحدة ومطابخها.
الكتاب الذي انتشر محتواه كالنار في الهشيم، وبلغت نسبة بيعه أرقامًا خيالية جاء ليضع مزيدًا من النقاط على حروف الحقيقة الثابتة عن توجهات الرئيس ترامب، خصوصًا وأن مؤلف الكتاب ـ كما يبدو ـ كان على صلة مباشرة بـ"ستيف بانون" كبير مستشاري ترامب والذي يوصف بأنه مهندس استراتيجيات الرئيس الأميركي، وبأنه "عقله المفكر والمدبر"، حيث لم تصدر صغيرة أو كبيرة إلا بعلمه ومن وحيه وبنات أفكاره.
ومن الواضح أنه على طريقة "عليَّ وعلى أعدائي" قرر بانون أن ينشر غسيل البيت الأبيض على كل الحبال ليس في الولايات المتحدة وحدها، وإنما في العالم أجمع، منتقمًا لإقالة ترامب له وطرده من البيت الأبيض، فاختار أحد الصحفيين المعروفين "مايكل وولف" ليبدي له خفايا وأسرار ما قبل فوز الرئيس ترامب بالرئاسة، وما بعد الفوز. ولعل ما يفسر ذلك أن بانون أتى على كل شيء وخصوصًا ما يتعلق بعائلة ترامب، حيث تضمن الكتاب وحسب ما جاء في وسائل الإعلام ـ تصريحات مدوية من بينها أن: فريق حملة ترامب كانوا مصدومين ومذعورين بعد فوزه في الانتخابات، وزوجته ميلانيا كانت تبكي ليلة التصويت، وأن ترامب ترامب كان غاضبًا من أن كبار النجوم قاطعوا حفل تنصيبه، وأن الرئيس الجديد "وجد البيت الأبيض مزعجًا ومخيفًا بعض الشيء"، وكذلك ابنته إيفانكاـ التي وصفها بـ"الغبية"ـ كانت تخطط مع زوجها جاريد كوشنر"لتصبح أول رئيسة للولايات المتحدة"، وكانت إيفانكا تسخر من تسريحة شعر والدها، ووصف بانون ابن ترامب دونالد جونيور بأنه "خائن"و"غير وطني" بدعوى أنه قابل محامية روسية في الحملة الانتخابية 2016م. وقد هاجم ترامب بسببها بانون كبير مستشاريه وكبار عقوله المفكرة متهمًا إياه بأنه "فقد عقله".
على أن الأهم فيما تضمنه كتاب "نار وغضب: داخل بيت ترامب الأبيض" ووفقًا لما نقلته وسائل الإعلام، هو ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث كان ستيف بانون من أبرز مهندسي تصفية القضية الفلسطينية، فلم يخفِ بانون دوره في ذلك، فقد خطط لنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة منذ اليوم الأول لرئاسة ترامب في يناير من العام الماضي، كما دعا الرئيس ترامب لتسليم مقاليد الحكم في الضفة الغربية إلى الحكومة الأردنية ليحاولوا التعامل معها ومع سكانها وإدارتها، وجعل الأردن يغرق في الضفة الغربية، وإعطاء قطاع غزة لمصر، حيث شرح "بانون" خطته للشرق الأوسط قائلًا "نعطي للأردن الضفة الغربية، ويأخذ المصريون قطاع غزة. ليواجهوا هم ذلك"، مضيفًا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أبدى موافقته على تلك الخطة. وطبعًا مؤدى هذه الخطة هو أنها ستجنب كيان الاحتلال الإسرائيلي تقديم تنازلات للسلطة الفلسطينية، وإنشاء دولة فلسطينية، فضلًا عن أنها ستكون في صلب ما يسمى بـ "صفقة القرن" التي يستعد الرئيس دونالد ترامب لإعلانها خلال هذا العام.
الكتاب في حد ذاته يعد كشفًا لمستور من الحقائق على أكثر من صعيد، ويبين الدور الذي لعبه ساكن البيت الأبيض وأصهاره في تفجير الأزمات داخل الدول وبين الدول بعضها بعضًا، والتخطيط لإحداث نقلة متقدمة واستثنائية في ملفات المنطقة وتحديدًا ملف الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بدأت بقرار الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، ونقل السفارة الأميركية إلى المدينة المحتلة، وهو ما يؤكد أن مجمل ما حدث خلال السنوات السبع الماضية من حرائق وفتن ـ لعب فيها بعض العرب دورًا كبيرًا في تأجيجها وتسخير ما لديهم لإبقاء جذوتها مشتعلة ـ إنما من أجل هذه اللحظة التاريخية وما ستشهده من خطوات إضافية على صعيد تصفية القضية الفلسطينية. إلا أن أهمية هذه الانكشافات الخطيرة الواردة في كتاب وولف، تأتي في توقيت جيد يبين حالة اللهاث في المنطقة وراء رئيس يبدو وحيدًا أمام طوفان الفضائح، ويحاول أن يقاوم الغرق، ويستعطف الناس عبر "تويتر" بأنه "عاقل" وأن "عقله" بخير، وأن ما جاء في الكتاب ليس صحيحًا، وأن "عقله المفكر" ستيف بانون هو "المجنون".
أيًّا كان صادقًا، وأيًّا كان مجنونًا منهما، فإن الجنون قد فعل أفاعيله، وجعل الأرض جدباء، وأحال الأخضر يابسًا، وقتل الزرع وجفَّ الضرع، وتبدو رحلة العرب إلى نيويورك حيث مقر الأمم المتحدة للبحث عن اعتراف لفلسطين الدولة، كرحلة صيد يحاول الصياد أن يخرج صيدته من بطن مفترسها (الصهيو ـ أميركي)، بعد أن قام الصياد نفسه بتقديمها له، وشتان بين رحلة تظهر أصحابها كمتسولين وبين رحلة للمنظمة الدولية ذاتها تطلب منها حملات عسكرية بقيادة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وعقوبات تحت الفصل السابع، ضد دول عربية شقيقة وفاعلة ومناضلة من أجل فلسطين الدولة وعاصمتها القدس كل القدس، وداعمة بصدق للشعب الفلسطيني وقضيته ومقاومته، لكنه الإرث السياسي المثقل بأعباء التبعية والخضوع الذي يفرض قسريًّا اللهاث خلف الأميركي.

خميس بن حبيب التوبي
[email protected]