[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/05/amostafa.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.احمد مصطفى [/author]
”من يتذكر كتاب "خريف الغضب" للكاتب الصحفي المصري الراحل محمد حسنين هيكل عن الرئيس المصري الراحل أنور السادات، بعد اعتقالات سبتمبر 1981 سيجد تشابها كبيرا بين الكتابين. ليس من قبيل شبه بين ترامب والسادات وإنما من قبيل التفاصيل التي يجمعها الصحفي مما هو معروف بالضرورة وبعض شذرات من البهارات وخلاصة تكون في الأصل "فكرة مسبقة" لدى الكاتب ويكون عباره عن مقدماتها.”

لم يحظ كتاب بكمية الدعاية والترويج التي حظي بها كتاب مايكل وولف "نار وغضب: داخل البيت الأبيض لترامب" حتى بيعت نسخه قبل موعد صدورها، إذ استغل الناشر الضجة حوله ليعجل بإصداره أياما. ولا عجب أن أي منشور عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يلقى رواجا غير عادي، خاصة مع انتشار النميمة عبر السوشيال ميديا. قبل صدور الكتاب، نشرت عدة صحف مقتطفات منه، ووصل الأمر إلى خبر ـ لا أعلم مدى صحته ـ أن محامين لترامب حاولوا وقف نشر الكتاب. بالطبع، يعود القدر الأكبر لترويج الكتاب إلى الشخص الذي يدور حوله، وهو في حد ذاته مادة ترويج واسعة ليس فقط بتغريداته العجيبة على موقع تويتر بل حتى بأحاديثه العامة في المناسبات الرسمية. وكالعادة، يؤدي التسويق الهائل إلى الإقبال على المنتج حتى ولو من باب الفضول. ثم تكون المفاجأة عند قراءة الكتاب.
ربما أهم ما يميز الكتاب أنه يبدو كمقال تحقيقي طويل في صحيفة (لكنه طويل جدا إلى حد أكثر من مئتي صفحة) وأسلوب كاتبه وهو كاتب صحفي أساسا ويعمل الآن على السيرة الذاتية لامبراطور الإعلام روبرت مردوخ. وهكذا اجتمع سببان يجعلانك تقرأ الكتاب، أولهما موضوعه المثير مثل أخبار الصحف الصفراء وأسلوب كاتبه الأقرب للمقال أو التقرير الصحفي المشوق. لكن عدا ذلك، لا تخرج بالكثير من الكتاب، فلا نار ولا غضب حول ترامب وإدارته أكثر مما تعرفه. ولم يوفر الإعلام جهدا في موقفه من الرئيس الأميركي حتى قبل انتخابه. وباستثناء بعض التفاصيل، لم أخرج من قراءة الكتاب بأي جديد حول مصادر النيران وعلامات الغضب أكثر مما هو معروف ومنشور. بالطبع لا يقلل ذلك من الجهد الذي بذله المؤلف في تجميع مادته من لقاءات وملاحظات، لكنها في النهاية إجمال لكل ما ينشر ويقال عن ترامب وصراعات إدارته على مدى عام أو أكثر وبدا واضحا في تخبطه في اختباراته لمعاونيه.
من يتذكر كتاب "خريف الغضب" للكاتب الصحفي المصري الراحل محمد حسنين هيكل عن الرئيس المصري الراحل أنور السادات، بعد اعتقالات سبتمبر 1981 سيجد تشابها كبيرا بين الكتابين. ليس من قبيل شبه بين ترامب والسادات وإنما من قبيل التفاصيل التي يجمعها الصحفي مما هو معروف بالضرورة وبعض شذرات من البهارات وخلاصة تكون في الأصل "فكرة مسبقة" لدى الكاتب ويكون عبارة عن مقدماتها. كل ما في كتاب مايكل وولف عن ترامب معروف أو متوقع، وما يتعلق بعائلته وفريقه تستخلصه بسهولة من الممارسات غير المسبوقة التي ابتدعها ترامب في البيت الابيض. كل ذلك لا ينفي أن هناك بعض اللقطات الطريفة التي تعكس شخصية ترامب القادمة إلى عالم السياسة والحكم من خارج دائرتها التقليدية. على سبيل المثال استقلال الرئيس بغرفة نوم وحده، وحسب الكتاب تلك المرة الأولى التي لا يستخدم الرئيس وزوجته غرفة نوم واحدة منذ أيام الرئيس الأسبق جون كنيدي. كذلك الشجار بين ترامب والأمن الرئاسي (الخدمة السرية الخاصة) بشأن وضع قفل لباب غرفته وغضب الرئيس من اصرار الحرس على عدم وضع قفل لأسباب أمنية. وأيضا مشاحنات الرئيس الغاضبة مع طاقم الخدمة والتنظيف. ومع أن مسألة قضاء ترامب ساعات كل يوم في مشاهدة التلفزيون، إلا أن الكتاب يذكر تفاصيل عن لجوئه لغرفة نومه مع ساندوتشات البرغر لمشاهدة ثلاث شاشات معا.
ليس في الكتاب إذا الكثير مما يمكن القول إنه كشفه، ولا حتى الرصد والتحليل أكثر من الانطباعات التي يولدها ما هو معروف بالفعل. لذا استغربت كثيرا مما نقلته الأخبار عن المؤلف وقوله إن كتابه قد يعجل بنهاية ترامب السياسية! فليس الأمر بحاجة إلى كتاب يحمل مجموعة من الملاحظات التي تتردد عن الرئيس. ما قد يعجل بنهاية المستقبل السياسي لترامب هو ترامب نفسه، ولننتظر ليستجوبه المحقق الخاص مللر في قضية العلاقة مع روسيا وتدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية. فطبيعة ترامب، التي لم تتغير كثيرا مع توليه أعلى منصب في أميركا وأقوى منصب في العالم، ستجعل أي محقق يدينه من لسانه حتى لو كان أساس القضية ضعيفا. لكن الأهم، هو قانون التعديل الضريبي الذي تمكن الرئيس من تمريره عبر الكونجرس والذي اذا نفذ بما ينفع الناس فسيضمن له انتخابه لفترة ثانية. وهنا تشير ردود الفعل الأولية إلى أن الفائدة على الطبقات المتوسطة والفقيرة قد لا تكون في النهاية كبيرة بالشكل الذي صور به القانون نظريا. أضف إلى ذلك إلى أن عددا من الولايات تحاول الالتفاف على تطبيق القانون الفيدرالي بما يفرغه من محتواه.
أما طباع الرئيس الشخصية، وكونه غير "رئاسي" في كلامه وتصرفاته وخصوصا تغريداته على تويتر فليست ذات أهمية كبرى. بل على العكس، قد تكون هذه التي يعتبرها السياسيون والكتاب التقليديون نواقص أهم ما يميز الرئيس ويحافظ على شعبيته خاصة بين الأجيال الجديدة في المجتمع الأميركي. كنت كتبت العام قبل الماضي، قبل انتخابات الرئاسة الأميركية بأشهر، أنني لو كان لي حق التصويت لانتخبت دونالد ترامب وليس هيلاري كلينتون. ذلك لأن ترامب يمثل الوجه الحقيقي والمباشر لأميركا، دون تجميلات السياسة والدبلوماسية. ولم تتغير وجهة نظري تلك منذئذ، وتعززت أكثر بعد قراءة كتاب مايكل وولف.