[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
لم يكن تأكيد المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أمس بشأن الخسائر التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي بسبب الجرائم السيبرانية مفاجئا للاقتصاديين، كونه صادرا عن جهة تعتمد في تأكيداتها على كفاءات وخبرات اقتصادية متخصصة كل في مجاله، فضلا عن انه تأكيد يتعلق بالعالم السيبراني لأهميته في اقتصادات العالم اليوم، حيث يرى المنتدى أن خسائر الاقتصاد العالمي بسبب الجرائم السيبرانية تبلغ اربعمائة وخمسة واربعين مليار دولار سنويا.
وفيما تأتي أهمية التأكيد ذي الصيغة التحذيرية من تطور خسائر الاقتصاد العالمي في هذه الجزئية في وقت اصبح فيه استخدام الانترنت والشبكات والبرامج السحابية والوسائل الالكترونية يشكل محورا اساسيا في تحريك عجلات الاقتصاد العالمي، لدرجة تندر فيها بعض الاقتصاديين بالأمر بقولهم إن "الانترنت وعالم تكنولوجيا المعلومات بدأ تدريجيا يحل من حيث الأهمية محل – برميل النفط – وسعره المتحكم الرئيسي حتى الآن في تحريك عجلة الاقتصاد العالمي".
ومثلما هو معروف بأن الأمن السيبراني الذي ما تم ذكر عالم الشبكات والانترنت الا وتبعه صراحة ذكر مصطلح الأمن السيبراني باعتباره يشكل مجموع الوسائل التقنية والإدارية التي يعتمد عليها لمنع الاستخدام غير المصرح به للشبكات ولمنع سوء الاستغلال للمعلومات الإلكترونية ولنظم الاتصالات والمعلومات التي تحتوي تلك النظم، وذلك لضمان استمرارية عملها بسلامة وأمان، فنجد ان التأكيد الأخير الصادر من المنتدى الاقتصادي العالمي يفهم منه الدعوة لاتخاذ المزيد من الإجراءات الاحترازية والوقائية والتي بالضرورة سيتبعها صرف الكثير من الأموال من اقتصادات معظمها مستهلكة وليست منتجة لتلك البرامج الالكترونية والمعلوماتية في مجالات الأمن السيبراني ... وهذا في حد ذاته زيادة في مستوى خسائر الاقتصاد العالمي والتي بينها اقتصادات العالم الثالث الناشئة في مجال تكنولوجيا المعلومات.
ورغم تخصصية التأكيد الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي لتركيزه على العالم السيبراني، الا ان ضخامة المبلغ المقدر بأربعمائة وخمسة واربعين مليار دولار سنويا تعتبر اضافة سنوية لخسائر الاقتصاد العالمي الذي يتساءل ضعاف منتجيه عن السبيل لتراجع خسائره المتجددة يوما بعد يوم في صياغات متجددة ومختلفة تتركز محاورها جميعا حول أزمات لا يكون لضعاف المنتجين القدرة الكافية والفهم الكامل لتجاوزها دون الاعتماد على الآخرين.
ومن ابرز محاور تلك الأزمات والصياغات المتجددة، ما يصدر من وقت لآخر من منظمات وهيئات عالمية طبية وصحية من تحذيرات بشأن ظهور فيروسات ستهدد حياة البشرية كفيروسات الانفلونزا الحيوانية في عائلها كالخنازيرية والداجنة للطيور وغيرها ... فيكون على العالم الثالث فقط الإسراع والهرولة وراء شراء الأمصال والأدوية التي يعجز ضعفاء المنتجين في الاقتصاد العالمي من اكتشافها وتركيبها وتصنيعها وتسويقها .. في حين ان الأمر المدهش هو ان كثيرا ما تكون الفترة الزمنية بين اكتشاف الأمصال وظهور الفيروسات الفتاكة بحياة الإنسان لا تتعدى الأسابيع ... انه حقا عالم يسيطر عليه العباقرة من بني البشر!
ويكون التساؤل عن السبيل لتراجع خسائر الاقتصاد العالمي اكثر مشروعية، عندما نلاحظ ان جغرافية ضعفاء المنتجين بالاقتصاد العالمي تتصاعد فيها الصراعات، وتسيل فيها الدماء، وتزهق الأرواح ...في حين يكون مركز الحلول السلمية والمفاوضات بشأنها خارج جغرافيتهم، بل ان السلاح الناري الذي يستخدم كوسيلة في السعي لإنهاء تلك الصراعات هو الآخر مصنوع خارج تلك الجغرافية، مما يوسع من دوائر اتهام الآخر وترجيح كفة نظريات المؤامرة بأن من يصنعون السلاح قد لا يكونون بريئي الذمة من السعي لخلق الأزمات في جغرافية ضعفاء المنتجين بالاقتصاد العالمي.
لذلك يظل التطلع لحياة البشرية في عالم خال من الدهاء في حباكة وحياكة الأزمات امرا مشروعا للجميع من ذوي البصيرة، خصوصا صغار وضعفاء المنتجين في دائرة الإنتاج بالاقتصاد العالمي .. ومرة اخرى تقوى الحجة للتساؤل عن السبيل لتراجع خسائر الاقتصاد العالمي الذي تسببت الحروب في إفقاده مئات الآلاف بل الملايين من القوى البشرية المنتجة أو ذات القدرة الإنتاجية الكامنة.