[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/04/ayman-hussien.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أيمن حسين
مراسل الوطن[/author]
تنتهي ولاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 7 مايو العام الجاري، على أن يكون قد سبق هذا التاريخ إجراء انتخابات رئاسية جديدة، ويعد بوتين الأقوى بين زعماء العالم رغم قراراته المتباينة حول القضايا السياسية والاقتصادية الدولية التي اختلفت حولها الآراء ما بين مؤيد لها ومعارض لجوهرها لكن تبقي نبرة تحديه للولايات المتحدة عالقة في أذهان ناخبيه بالملايين الذين يفضلون قيادته لروسيا بقوة فوق مقعد الرئاسة بالكرملين، ولم يكن ثمة شك يمكن أن يراود أي من الملايين التي طالما تابعت بزوغ نجم الرئيس فلاديمير بوتين في سماء الساحة السياسية العالمية والإقليمية مع مطلع القرن الحادي والعشرين في أنه سوف يتخذ قراره حول خوض الانتخابات الرئاسية لفترة ولاية رابعة تمتد حتى عام 2024.
تاريخ حافل:
لعل ما أقدم عليه فلاديمير بوتين من خطوات على طريق توريث تلميذه ورفيقه دميتري ميدفيديف كرئيس لروسيا في عام 2008 كان يقول بأنه يُعد العدة للعودة لفترتين متواليتين بعد انقضاء السنوات الأربع التي كانت محددة لرئاسة روسيا قبل أن يتقدم ميدفيديف إلى البرلمان بمشروع قانون لمد فترة الرئاسة حتى ست سنوات بدلا من الأربع السابقة.
تاريخ الأمس القريب يقول بما لا يدع مجالا للشك انه لولا وصول فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم في الكرملين في مطلع القرن الحادي والعشرين للحقت روسيا بسابقها الاتحاد السوفييتي وهي التي كانت مهددة بتقسيمها إلى 52 جمهورية بموجب خطة جرى إعدادها في سراديب الإدارة الأميركية في مطلع تسعينيات القرن الماضي. وفي هذا الصدد نعيد إلى الأذهان بما في ذلك أذهان من يواصل ترويج مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية الماضية ما فعلته الولايات المتحدة وحلفاؤها مع الاتحاد السوفييتي منذ نهايات الثمانينيات ومع روسيا في التسعينيات ودعمها اللامحدود للحركات الانفصالية في شمال القوقاز وما يسمى بالمعارضة الليبرالية ودورها السافر في إعادة تنصيب الرئيس الأسبق بوريس يلتسين لفترة ولاية ثانية في 1996 وتزعمها لحملته الانتخابية من مقر موفديها ممن كانوا يقيمون في فندق بريزدنت التابع لإدارة الكرملين في قلب العاصمة الروسية وتعاونها المكشوف من ابنته تاتيانا التي كانت بمثابة حلقة الوصل بين أبيها بوريس يلتسين وأساطين المال والأعمال الذين كانوا في معظمهم من اليهود الموالين للولايات المتحدة وإسرائيل التي يقيم الكثيرون منهم فيها ويتمتعون بجنسيتها .
ظروف متأرجحة:
وإذا كانت الظروف الدولية والإقليمية حتمت استمرار بوتين في منصبه منذ بداية القرن الحادي والعشرين فان ما يموج به العالم اليوم من أحداث يزيد من تفاقمها ما يتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من خطوات غير محسوبة وغطرسة لا محدودة يفسر ما قاله الرئيس السوفييتي الأسبق ميخائيل جورباتشوف. وكان جورباتشوف كشف في حديثه إلى صحيفة «كومسومولسكايا برافد» عن مبررات تأييده لإعادة انتخاب بوتين لفترة ولاية رابعة بقوله :يبدو الوضع الآن على النحو التالي: روسيا تعاني العديد من المشاكل والوضع الدولي معقد للغاية. وبالتالي فإن الروس لديهم رغبة طبيعية لتأمين أنفسهم بعدم التسرع في اتخاذ القرارات.
إن بوتين في الواقع زعيم يتمتع بجدارة بدعم الشعب وروسيا بحاجة إلى أخذ ذلك في عين الاعتبار وما ينبغي أن يسترشد به هو ما يريده الشعب. وأضاف جورباتشوف قوله أن الناس في روسيا يعيشون الآن حياة ليست سهلة بالمرةحياة متوترة وتتطلب معرفة الكثير وحل الكثير والخروج من المآزق.
وخلص جورباتشوف إلى القول أن آراء النخبة الثقافية والعمال والسكان تطابقت كما يبدو على ضرورة منح بوتين فترة أخرى.ما قاله جورباتشوف يتفق إلى حد كبير مع مفردات الواقع الراهن في روسيا ويعكس ميول الغالبية العظمى من أبناء الدولة الروسية في توقيت يشهد غياب «المعارضة الحقيقية» وهشاشة مواقع أولئك الذين سارعوا بإعلان ترشحهم ومنهم فلاديمير جيرينوفسكي زعيم الحزب الليبرالي الديموقراطي الذي تقتصر شعبيته على ما لا يمكن أن يزيد على 8-10% وشخصيات نسائية لا وزن لها فضلا عن تاريخ بعضهن المثير للجدل ومنه ما يعود إلى ظهور إحداهن على أغلفة المجلات الرجالية.
ولعل ما شهدته وتشهده الساحة الروسية اليوم من أحداث يرتبط الكثير منها بالأوضاع الدولية والإقليمية تقول بان الرئيس بوتين يخوض الانتخابات متكئا على الكثير من الانجازات التي يتوقف المراقبون في الداخل والخارج عند أهمها ومنها «ضم شبه جزيرة القرم» والعملية العسكرية الروسية في سوريا التي أسفرت عن تدمير المواقع الرئيسية لتنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرهما من التنظيمات الإرهابية في سوريا وهو ما يساهم اليوم في تهيئة الظروف المناسبة لحوار سوري واسع الأطياف يجرى تحت رعاية الأمم المتحدة بعد نجاح بوتين في تحييد العديد من اللاعبين الخارجيين ممن كانوا يقفون وراء تمويل وتسليح عدد من فصائل المعارضة السورية.
وعلى الرغم من الشوائب التي يمكن رصدها على صعيد إدارة الدولة ومنها غياب مساهمات وانحسار تأثير المؤسسات الرسمية والأحزاب السياسيةعلى رسم الخطوط العامة لإستراتيجية الدولة وتحديد معالم سياستها الخارجية التي تظل حِكراً على الزعيم ودائرة قريبة من رفاقه منذ سنين خدمته في مؤسسة «كي جي بي» فإن هناك من يقول أن مقتضيات الواقع الراهن في روسيا تبرر جنوح القيادة السياسية نحو اعتماد النظام الرأسي للسلطة وتركيز السلطات في «مركز واحد» شأنما كان الحال إبان سنوات الاتحاد السوفييتي السابق.
وبهذا الصدد أشار نيكولاي بيتروف عضو المجلس العلمي لمركز كارنيجي في موسكو والمعلق المعروف بتوجهاته الليبرالية الغربية إلى أن الكرملين تخلص كثيرا من الضوابط والتوازنات في السياسات المحلية والإقليمية وضَيق نطاق النقاش السياسي على جميع المستويات لدرجة أنه يفتقر الآن إلى قنوات للحصول على معلومات دقيقة حول ما يجري على مستوى القواعد الشعبية. وأضاف قوله أن التجميع المفرط للسلطة من قبل بوتين حال دون أن يقوم السياسيون الشباب المخلصون للنظام ببناء الموارد والنفوذ الذي سوف يحتاج إليه أي خليفة يمكن تصديقه. وبغض النظر عن مدى صحة مثل هذه التقديرات فإننا نقول أن ما يحدث اليوم في روسيا نتاج طبيعي للحالة التي كانت البلاد أضحت عليها منذ تسعينيات القرن الماضي وكادت تودى بها إلى شفا الانهيار وانفراط عقدها الفيدرالي.
ملاذات بوتين
لذا كان من الطبيعي أن يسارع بوتين إلى رفاقه من أبناء مدينته الأم سان بطرسبورج وممن خدم معهم وخَبَرَهم لسنوات طوال خلال عملهم المشترك بين صفوف مؤسسات الأمن والمخابرات ولا سيما «كي جي بي» أي لجنة امن الدولة في الاتحاد السوفييتي السابق . ونظرة سريعة إلى تشكيلة أهم أركان السلطة في روسيا وفريقها الضارب تشير إلى أن المجموعة الحاكمة اليوم في روسيا هي ذات المجموعة التي التفت في مطلع التسعينيات حول أناتولي سوبتشاك عمدة سان بطرسبورج والرمز الأشهر للتحولات الديموقراطية إبان سنوات البيريسترويكا في عهد ميخائيل جورباتشوف وإن كان بوتين قد تخلص لاحقا من بعضها لأسباب لا يزال الغموض يكتنف بعض جوانبها. وفي هذا الصدد نشير إلى ما حققه بوتين من نجاح باهر خلال السنوات الأولى لتوليه سدة الحكم في الكرملين في مواجهاته مع أساطين المال والأعمال «الاوليجاركيا» ممن كانوا نجحوا في الاستيلاء على مقاليد الإعلام والسياسة خلال سنوات حكم بوريس يلتسين قبل أن يتوجه في خطابه الأشهر في ميونيخ في مؤتمر الأمن الأوروبي في فبراير 2007 بخطة عمل حدد ملامحها في رفضه لهيمنة واحتكار قوة بعينها للقرار الدولي وإعلانه عن ضرورة بناء عالم متعدد الأقطاب والتحول نحو تحديث قواته المسلحة وإمدادها بأحدث تكنولوجيا العصر ورفضه لاحقا الانصياع لضغوط وعقوبات الخارج التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على بلاده منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في عام 2014.
الخلاصة أن الرئيس والزعيم الروسي فلاديمير بوتين نجح باقتدار أن يكون الأقوى عالميا بين الرؤساء ونجح أيضا أن يقود دفة الأمور في الكرملين نحو لعب أدوار فعالة وحساسة علي الساحة الدولية بحنكة وخبرة أهلته لإعادة ترشيح نفسه وأيضا ضمان أصوات ملايين المواطنين الروس في سباق الرئاسة على مقعد الكرملين .