في روايته "حيث يسكن الجنرال"
عمّان ـ العمانية :
يُوقع زياد محافظة بقارئه منذ اللحظة الأولى التي يدخل فيها إلى عوالم روايته "حيث يسكن الجنرال"، يبقيه غارقًا في لجة الأسئلة التي يفخخ بها النص، من خلال بنائه بفسيفسائيةٍ عالية تجعل القارئ غير قادر على تركه قبل الوصول إلى الذروة في انصدامه بقفلة الرواية.
يشتغل محافظة في روايته الصادرة عن دار فضاءات بعمّان، على واحدة من أكثر البؤر السردية سخونة في الشرق، ويسعى عبر نص ينطوي على قدر كبير من البحث والمساءلة والتأمل، لإيجاد عالم روائي يوازي الواقع ويحاوره، ويمثله ويستجيب لتدفقه وضروراته، فيقتفي في عمله هذا أثرَ جنرال يقرر الفرار من وطنه قبيل ساعات من اندلاع الثورة فيه، فيهرب خفيةً بعد ما أعدّ خطة محكمة، غيّر على إثرها اسمه وهويته، راضيًا في سبيل الحفاظ على حياته ومكتسباته، أن يرمي ذاك الجنرال وراء ظهره، بعد أن عمل سنوات طويلة على بناء مجده وسلطته، ليصبح شخصًا آخر يعيش حياة جديدة، بعيدًا عن مآسي الشرق وحرائقه المشتعلة.
ويستقر بطل الرواية مع زوجته في إحدى البلدات الوادعة بكندا، ويبني لنفسه هناك حياة هادئة، ويبدأ باعتياد الأشياء والتعرف على الشخص الجديد الذي أصبحه، لكن في الوقت الذي اعتقد فيه أنه قد نجا بنفسه وتمكن من خنق الجنرال وحشره بداخله، وبات بمنأى عن كمائن الحياة ومنغصاتها، يتعرض لحادث سير فتنقلب حياته مرة أخرى، ليستيقظ على إثر الحادث وقد استفاقت الشخصيات بداخله، فيجد نفسه ممزقًا بين روح مهدمة وجسد مهزوم، ومصائر غامضة تدفعه في اتجاهات شتى.
ويتصاعد الحدث السردي مسحوبًا بأحداث وتفاصيل دقيقة، ليُسمَع في النص دويّ انعطافة جديدة، إذ تنكشف أمام الجنرال عوالم خفية لم يعهدها من قبل، ليصبح من حيث لا يدري، مقصدًا للكثير من الأرواح الهائمة المعذبة، التي راحت تفِدُ إليه من جهة الشرق؛ تلك الأرواح التي كان يومًا ما سببًا في عذابها وتحطيمها وقهرها.
وعبر ليالٍ موحشة وباردة، يقضي الجنرال حياته خائفًا ووحيدًا، وهو يترقب ويحاور تلك الأرواح الحزينة المحطمة التي تتربص به، فتأتي مسكنَه كلَّ ليلة وفي جعبتها الكثير من الأسئلة المربكة، لتحاوره وتذكّره بما اقترفت يداه وتقتصّ منه، وربما لتبحث لنفسها من خلال تلك الحوارات عن الخلاص المنشود.
تمثل هذه الرواية في تصاعدها السردي المشوق وخاتمتها غير المتوقعة، بحثًا عميقًا في غموض الروح الإنسانية وتوترها وانهياراتها، وسعيًا جادًّا لفهم حاضر الإنسان وخساراته ومصيره المجهول.
يقول محافظة في تصريح لـ"وكالة الأنباء العمانية": "لقد أيقنت وأنا أكتب هذا العمل أن لا شيء أكثر قسوة ووضوحًا في عالمنا اليوم من الدكتاتورية والقمع، لذا تمضي هذه الرواية عميقًا نحو هذه البؤرة السردية الساخنة، لتكون نداء إنسانيًا يعلي من شأن الحرية وقيمها".
ويضيف أن هذه الرواية رسخت قناعته بأن الكتابة "يمكن أن تقف بوجه العبث الذي يطوقنا من كل الجهات". ويتابع بقوله: "صحيح أننا اعتدنا أن نكتب عن الذات الإنسانية المنكسرة والمحطمة؛ بوجعها وانهيارها وخساراتها، إلا أنني في هذه الرواية ذهبت إلى الجهة الأخرى، ليكون فضاء كتابتي هذه المرة عن الذات الإنسانية المتجبرة من خلال تتبعي أثرَ جنرال من جنرالات الشرق منذ بداية صعوده نجمه وحتى أيامه الأخيرة في هذه الحياة، الأمر الذي منحني مساحات شاسعة لأقف عند تلك اللحظة التي تنتقل فيها تلك الذات من مراحل القسوة والتجبر إلى حواف الخيبات والإخفاق والمرارات".
وبحسب محافظة، فإن الأحداث الانسانية والسياسية والفكرية والاجتماعية تختلط وتتعقّد في الرواية، لـتمنح القارئ "فرصة لقراءة الواقع الراهن بصورة جديدة ومغايرة".
يُذكر أن رواية زياد محافظة "نزلاء العتمة"، نالت جائزة أفضل رواية عربية في معرض الشارقة الدولي للكتاب (2015)، واختيرت روايته "يوم خذلتني الفراشات" للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (2012)، وصدرت له ثلاثة أعمال روائية أخرى هي "بالأمس كنت هناك"، و"أنا وجدّي وأفيرام"، و"أفرهول"، ومجموعة قصصية بعنوان "أبي لا يجيد حراسة القصور".