[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
مع تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه على جميع الجبهات وخصوصًا جبهة إدلب وحماة وحلب والغوطة، تشير كل المعطيات والوقائع الميدانية والسياسية إلى أن معسكر التآمر والعدوان على سوريا بات في حالة انكشاف حقيقي، بما في ذلك بعض القوى المكونة له التي اختارت أن يكون لها وجهان في سياق تآمرها انطلاقًا من إرثها الاستعماري الذي تحاول إحياءه باحتلال أجزاء من سوريا والعراق، وإقامة قواعد عسكرية هنا وهناك بالمنطقة، في حين لا يزال المايسترو الأميركي يرقص على كل الحبال واغتصاب كل المحرمات والقوانين الدولية، واتباع سياسات المناورة، متشاطِرًا في ذلك الدور مع حليفه الإسرائيلي الذي يتبع هو الآخر أسلوب العربدة، والتدخل الإرهابي المباشر لرفع المعنويات المهزومة والمنكسرة للعصابات الإرهابية "داعش والنصرة" ومن معهما بشتى مسمياتها والتي تعمل لصالح مشروعه التدميري والاستعماري في المنطقة وتأتمر بأوامره.
هذا الانكشاف برز بصورته الجلية واللافتة على خلفية التحرك السوري والحلفاء نحو مدينة إدلب التي تعد الخزان الإرهابي، ويَنظر إليها المتآمرون المستثمرون في الإرهاب على أنها يمكن أن تمثل ورقة قوية يلوحون بها في وجه الحكومة السورية لابتزازها وابتزاز حلفائها في أي جولات تفاوض قادمة، حيث بدت رهانات معشر المتآمرين وأوهامهم أن من الصعوبة بمكان تمكُّن الجيش العربي السوري وحلفائه من استعادة إدلب من بين فكي العصابات الإرهابية وداعميها، إلا أنهم اكتشفوا أن رهاناتهم خاسرة، وأن الرهان على عصاباتهم الإرهابية هو رهان على أحصنة معطوبة.
لا شك أن معشر المتآمرين يدركون القيمة الكبرى لمدينة إدلب واستعادتها من قبل الجيش العربي السوري وحلفائه، سواء الميدانية حيث مدينة الرقة ستكون تاليًا، أو السياسية حيث مؤتمر سوتشي يقترب موعده، إذ ستمثل انتصارًا كبيرًا مؤزرًا على المخطط الإرهابي الكوني، وهزيمة نكراء لجميع الواقفين وراء هذا المخطط، هو ما سيبعثر كل أوراق الطرف الأصيل في المخطط الإرهابي التدميري، ونعني به كيان الاحتلال الإسرائيلي، مع ما يعيشه راهنًا من قلق وتوجس وتخبط وارتباك جراء ما يشاهده يوميًّا من تساقط لكل أحلامه ورهاناته، وصولًا إلى انهيار مشروعه بالكامل في المنطقة انطلاقًا من سوريا. فاستعادة إدلب قبل موعد انطلاق محادثات سوتشي السورية ـ السورية برعاية روسية، سيعطي الحكومة السورية أريحية وقوة إضافية في المحادثات.
لذلك تبدو معادلة معشر المتآمرين ـ كما يرونها ـ في مواجهة التقدم للجيش العربي السوري وحلفائه ضرورية جدًّا، لمنعهم من تحقيق أي نصر كامل وإفشال مخطط تدمير سوريا، وبالتالي لا بد من محاولة خلط الأوراق وإثارة الارتباك والتشويش في الميدان بما يؤدي مباشرة إلى عرقلة مؤتمر سوتشي وتعليق الحل السياسي إلى أجل مسمى، وهذا ما يستدعي إدخال وسائل جديدة في التدخل في الشأن الداخلي لسوريا، وإبقاء جذوة الحرب مشتعلة. فمن واقع خبرة الأميركي وحلفائه وعملائه وأتباعه وأدواته وعصاباته ومرتزقته أثناء الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، بدأوا يبحثون عن وسائل جديدة لاستنزاف روسيا وحلفائها في سوريا معًا، بدلًا من صواريخ "ستينجر" الأميركية المحمولة على الكتف التي قامت الولايات المتحدة بتزويد من أسمتهم بـ "المجاهدين" بهذه الصواريخ التي شكلت فارقًا في المعركة، واستنزافًا كبيرًا للاتحاد السوفيتي آنذاك. واليوم يحاول الأميركي ومن معه إعادة الكرَّة، لكن بأسلوب مختلف، وهو استخدام طائرات بدون طيار "الدرون" المسيَّرة لاستهداف القواعد والقوات الروسية والسورية، حيث كشفت وزارة الدفاع الروسية عن إحباط هجوم إرهابي على مطار حميميم ونقطة دعم القوات البحرية الروسية في طرطوس عبر 13 طائرة مسيرة. وأوضحت الوزارة الروسية في بيان لها أن الهجوم الذي وقع على قاعدة طرطوس البحرية، ليلة السبت في السادس من يناير الجاري، شاركت فيه ثلاث طائرات مسيَّرة، بينما شاركت عشر طائرات مسيَّرة بالهجوم على مطار حميميم ليلة الأحد.‏
وردًّا على الإشارات الروسية إلى دور الولايات المتحدة في هذا الهجوم وتزويد العصابات الإرهابية بهذا النوع من الطائرات التي تحتاج إلى تكنولوجيا متطورة، وإحداثيات وتوجيه بالأقمار الصناعية، فضلًا عن نوعية القنابل المستخدمة في الهجوم، قالت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" بأن هذا النوع من الطائرات متوافر بالأسواق ومن السهل الحصول عليه. الأمر الذي يوضح ـ في تقديري ـ السبب في عدم دعم العصابات الإرهابية بصواريخ "ستينجر" المحمولة على الكتف، وذلك لكي تبعد واشنطن ومن معها التهمة عن نفسها من جهة، وحتى لا ينتشر هذا النوع في المنطقة لا سيما في اليمن، علاوة على ما سيمثل انتشاره من تهديد خطير للطيران المدني في العالم.
حتمًا إن هذا التطور الخطير لن يقف عند حد الاتهام الروسي والرد الأميركي عليه، ولكنه في الوقت ذاته قدم خدمة للجانب الروسي ـ السوري ومبررًا ليتحرك وفقه سريعًا للقضاء على مصدر الإرهاب، خصوصًا وأن الهجوم الإرهابي ـ حسب إفادة موسكو وتتبعها لخطوط انطلاق طائرات الإرهاب المسيَّرة ـ انطلق من مدينة إدلب، وبالتالي أي موقف يصدر من قبل طرف من أطراف معسكر التآمر والعدوان رافضًا التحرك الروسي ـ السوري ضد الإرهاب في إدلب سيعني ضمنًا أنه من يقف وراء الهجوم على القواعد الروسية.

[email protected]