[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
من المراحل الصعبة التي مر بها اليهود بعد حكم المأمون الذي تميز بالهدوء والرخاء والطمأنينة، ما حصل في زمن المتوكل فقد كان شديد الوطأة على أهل الذمة، إذ أمرهم سنة 335هـ (849م) بأن يلبسوا لباساً يميزهم عن المسلمين ويركبوا سروجاً تختلف عن سروجهم وأن يجعلوا على أبواب دورهم صورة شياطين من خشب مسمورة تفريقاً بين منازلهم ومنازل المسلمين، ونهى أن يستعان بهم في الدواوين وأعمال السلطات التي يجري أحكامهم فيها على المسلمين، ونهى ان يتعلم اولادهم في كتاتيب المسلمين، وأمر بهدم معابدهم المحدثة وبأخذ العشر من منازلهم وتسوية قبورهم مع الأرض وبغير ذلك مما يذلهم وكتب بذلك الى العمال في البلاد. (الطبري المجلد 11 ص36).
ولم يكن المتوكل مع اهل الذمة على هذا العسف وحدهم بل أغلظ معاملته مع أهل البيت وحرث قبر الامام الحسين (Graet z ,History of the Jews , vol 3. P.206).
وقد كان لهذا الأمر مؤثرات مجحفة بحق النصارى واليهود، على السواء، وأن منصب راس الجالوت تعطل بعد ان تولى المتوكل الخلافة، وكان ذلك المنصب أفاد اليهود فائدة جليلة مدة سبعة قرون وساعد القوم على ادارة شؤونهم الداخلية ادارة تضاهي الاستقلال الذاتي.)
ويمكن القول أن القيود التي وضعها المتوكل لم تطبق كلها بالفعل، ومع كل هذا فإن يهوداً كثيرين تحدثوا بالعربية وتآخوا مع وجهاء العرب ، وشغل اليهود دوراً كبيراً في الحياة الاقتصادية والأمنية وبرزوا كأطباء وأدباء ومعلمين، وادخلوا في الوظائف الحكومية وقد أقيل بعض الموظفين بسبب شكاوى متعصبي الإسلام ولكن حصل ذلك في حالات متفرقة، وأن القرار الذي فرض الملابس اليهودية الموحدة زال والغي مرات عديدة
واختلفت الامور كثيراً بعد المتوكل، وخففت القوانين فكان الوزير ابن سليمان في عهد المعتصم (892-902م) يقرب اليهود والنصارى المثقفين للعمل بالدولة.
اما الخليفة المقتدر (908-932م) فقد أمر أن لا يعين اليهود والنصارى إلا كاطباء وجباة ضرائب، وهذا بشرط أن يلبسوا ملابس صفراء وطاقيات ملونة، وعين الخليفة الراضي (934-940م) عدة موظفين يهود وبينهم يهودي يدعى ابن فضلان والذي اقيل في ما بعد.
وفي وقت الخليفة المقتدر، نشب نزاع شديد بين رئيس الجالية السيد عقيبا وبين الرباني كاهون صادق بن يوسف الجاؤون من فومباديتا، كان كلاهما جبارين ومتشددين، وكان سبب النزاع هو مال التبرعات الذي يستلم من طوائف ولاية خراسان، وبتأثير اثنين من اليهود الاقوياء الاثرياء في ذلك الوقت، هما يوسف بن فنحاس وصهره نطيرا، فقد تم عزل رئيس الجالية بقرار من الخليفة ونفاه الى كرمنشاه وتقع بالقرب منها قرية (سافران) ويوجد فيها قصر للخليفة، حيث اعتاد ان يستريح فيه ايام القيظ وكان عقيبا شاعراً بالعربية وصاحب مواهب، فاسمع الخليفة شعراً وهو يتمشى فاعاد له منصبه.
وبعد فترة ليست طويلة تمكنت مجموعة الجاؤونيين ايضاً من التأثير في الخليفة فصدر قرار جديد تم بموجبه اقالته، فاضطر عقيبا ان يترك العراق، ويهاجر الى افريقيا حيث الخلافة الفاطمية، واستقبله هناك يهود القيروان بأحترام كبير، وشغل منصب رئيسهم حتى وفاته، وبعد هذا الحادث بقي منصب رئيس الجالية شاغراً حوالي خمسين سنة الا ان انتخب دافيد بن زكاي، عم السيد عقيبا (920-940م).
وفي عهد الخليفة القادر بالله (991- 1031م) اغلقت جميع المدارس اليهودية في العراق، ثم تولى المقتدر بأمر الله الخلافة (1075-1094م) وسار على خطى المتوكل في معاملته لاهل الذمة، والزم اليهود بلبس الغيار والعمائم الصفراء، اما النساء فالازر العسلية وان تخالف المرأة منهم بين لوني خفيها فيكون الواحد اسود والاخر ابيض وان يجعلن في اعناقهن اطباقاً من حديد اذا دخلن الحمامات.(انظر الكامل لابن الاثير)