[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]

” .. للمرء أن يضع النقاط على الحروف ويحاول قراءة المعنى فوق/النصي لمخاوف كيري والإدارة الأميركية عامة مما يجري في العراق. بواعث الخوف غير صعبة على الملاحظة والاستمكان، ذلك أن العقل الإداري الأميركي يعتمد "القياس" على سبيل فهم ما يجري في العراق، تشعباته وآثاره الأوسع والأخطر.”
ــــــــــــــــــ

لم يبالغ وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، عندما أعلن قبل بضعة أسابيع أن العراق في حال طواريء، وذلك بعد تحسسه تعقيد "الأزمة العراقية"، وهو عنوان جديد يضاف إلى عناوين "أزمات الشرق الأوسط" الكثيرة، وكأن الشرق الأوسط هو مفقس أزمات! بيد أن للمرء أن يفترض، وعلى نحو أكثر واقعية وعملية وبراجماتية من الطراز الأميركي، أن العراق ليس لوحده في حال طواريء، ذلك أن الوزير الأميركي أردف قائلاً، بأن الأزمة لابد أن تعبر الحدود وتمتد إلى معظم بقاع الشرق الأوسط على نحو خاطف، قد لايمكن تداركه قط. وأظنه قد إستثنى روسيا وأوروبا وأميركا الشمالية خشية نشر الهلع عبر هذه الأقاليم الشاسعة.
إلا أن للمرء أن يضع النقاط على الحروف ويحاول قراءة المعنى فوق/النصي لمخاوف كيري والإدارة الأميركية عامة مما يجري في العراق. بواعث الخوف غير صعبة على الملاحظة والإستمكان، ذلك أن العقل الإداري الأميركي يعتمد "القياس" على سبيل فهم مايجري في العراق، تشعباته وآثاره الأوسع والأخطر. لذا عمد كيري إلى إطلاق رسالة تحذير إلى حكومات دول الشرق الأوسط تأسيساً على مامر ذكره من إمكانيات "فيضان" الفوضى وانسكابها عبر الحدود العراقية، وقبلها السورية، إلى دول الجوار وأغلبها من الدول الممسكة بمخزونات النفط الرئيسية التي يعتمد عليها العالم الصناعي.
بل أن للمرء أن يفترض بمقدار كافِ من العقلانية، أن كيري قد عنى، على نحو ملتوِ، أن الولايات المتحدة ذاتها في حال من الطواريء: فباعتبار مأساة هجمات 11 سبتمبر التي أخذت نيويورك وواشنطن على حين غرة وقتلت من الأميركان ما يزيد على الثلاثة آلاف نسمة، تكون المخاوف مبررة.
وتأسيساً على التفكير اعتماداً على القياس تتأكد حقيقة بواعث الخوف لأن الهجمات أعلاه لم تكن لتحدث لولا حصول "القاعدة"، وهي ولاّدة "داعش"، على موطيء قدم لها في دولة، اي في أفغانستان وبمساعدة طالبان. وهنا تكون البقاع الشاسعة التي تمكنت "داعش" من بسط السيطرة عليها وبضمنها مدن ومنشآت إقتصادية عملاقة، تكون الطريق معبدة بالكامل لأن تفعل داعش، المتمردة على القاعدة، مافعلته أمها (القاعدة) في الولايات المتحدة، وعلى نحو أكثر دموية وبربرية من تجربة 11 سبتمبر 2001، باعتبار ما تبثه داعش من إعلام ترهيب وتخويف منقطع النظير.
إذن، يكون غاية ما يخشاه العقل الإداري الأميركي هو حصول "داعش" على موطيء قدم ثابت في العراق، الغني بالنفط زيادة على الكبريت الذي يتركز في الموصل أو نينوى، لتستحيل تلك البقاع إلى جيب إرهاب لايمكن محوه بسهولة إن تجاوز بقاء داعش طولاً زمنياً معيناً. وبكلمات أخرى، تمكن رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، من إقناع كيري بأن:
(1) الخطر جدي وداهم.
(2) بأن الدول المصدرة للنفط ليست بمنأى من هذا الطوفان البربري، وهو ما تؤكده هذه الدول بنفسها.
(3) بأن طوفان البربرية هذا لابد أن يتوجه إلى "روما" هذا العصر (نيويورك) بهدف أن يخربها ويعلن دورة تاريخية جديدة في الصراع الكوني بين الحضارة والبربرية.
طار كيري من بغداد وهو محمل بشيء من هموم وهلع العراقيين، بدليل أن الهم قد انعكس على صانعي القرار في واشنطن، من الرئيس إلى الكونجرس، الأمر الذي يبرر إرسال 300 خبير عسكري فوراً لـ"معاينة" الموقف العسكري بين بغداد والموصل، بغداد والقائم.