”قد تكون الاحتجاجات مشروعة وناتجة عن مطالب اكثر مشروعية وقد تستجيب الحكومات لتنفيذ هذه المطالب أو قد تعجز عن تلبيتها لمحدودية الموارد فتضع خططا مستقبلية لتنفيذها فقط علينا ان نتمسك بمشروعية هذه المطالب بالبعد عن التخريب والسرقة وعدم اعطاء الفرصة للمندسين لتشويه المطالب فهذا التشويه يحول مشروعية المطالب إلى اتهام بالتخريب يجبر رجال الأمن على التعامل بقسوة لحماية البلاد من فوضى لا تفيد بل تضر الجميع. ”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

منذ سبع سنوات وخلال الفترة ما بين17 ديسمبر و14 يناير كان الوطن العربي على موعد مع حدث مهم اثر جليا في عقلية المواطن العربي وسياساته وطموحاته، وكان نذير بتحريك المياه الراكدة منذ عشرات السنين في هذا الاقليم الذي ما زال يتألم ويحلم ويتخيل لأهداف مشروعة طرحت وكانت حلما، فتحولت الى كابوس مزعج الا من رحم ربي من مساحات الوطن العربي... فمنذ سبع سنوات كان التونسي البائع المتجول الشاب محمد بوعزيزي من ولاية سيدي بوزيد على موعد مع التاريخ بإشعاله النار في نفسه احتجاجا على صفعه من الشرطية فادية حمدي (والتي برأتها المحكمة فيما بعد)، مرورا بالمشهد الأكثر اثارة للمحامي التونسي عبدالناصر العويني وهو يصرخ بن علي هرب بن علي هرب... وكانت هذه اشارة الى دخول المنطقة الى عالم جديد بسيناريو مختلف تماما عن احداث الماضي، البعض يقول انه سابق التجهيز لوضع المنطقة في حالة من الفوضي وتمكين بعض الديكتاتوريين لزمام امور بلادهم والبعض الآخر يقول انها كانت عفوية نتيجة معاناة الشعوب وانسداد الأفق في مستقبل افضل، الا ان تونس ـ التي اطلقت صافرة البداية لإمكانية التغيير فخلال هذه الايام وبعد مرور 7 سنوات من الثورة التونسية (ثورة الياسمين)، وهروب زين العابدين بن علي ـ واجهت العديد من الاختبارات تارة احتجاجات على الأسعار واخرى على التشغيل والتوظيف... إلى آخره من الاحتجاجات التي تمر بها وتنتهي بالاستجابة لبعض المطالب ووضع الخطط الحكومية لتنفيذها مستقبلا، وآخر هذه الاحتجاجات التي شهدتها تونس والتي قد تكون الأصعب هي الاحتجاجات التي تشهدها مناطق عدة احتجاجا على غلاء الأسعار وتفشي اعداد الباحثين عن عمل وللمطالبة بالتشغيل والتنمية، ويصب كل المحتجين جام غضبهم على قانون المالية للعام 2018 الذي أقرته الحكومة مؤخرا، والذي ينص في بعض بنوده على زيادة في أسعار بعض المواد، في مقدمتها الوقود والبنزين إضافة إلى رفع الضرائب على الاتصالات الهاتفية والتأمين، ورفع أسعار بعض المواد الأخرى مثل الشاي والقهوة والأدوية، واعتزام الحكومة اقتطاع واحد بالمئة من رواتب كل الموظفين، كمساهمات للصناديق الاجتماعية لسد العجز فيها، واعقب الاحتجاجات تطمينات من الرئيس الباجي السبسي وزيارة لبعض المناطق واتخاذ بعض الإجراءات من رئيس الحكومة يوسف الشاهد وذلك في محاولة لإنهاء تلك الاحتجاجات التي اتخذت الكثير من العنف والتخريب واسفرت عن مقتل "خمسي اليفرني" في مدينة طبرية، وقد اشارت اصابع الاتهام بالمسئولية عن تغذية الاحتجاحات لبعض الأحزاب نتيجة الصراع بين قطبي الحكم حركة النهضة وحزب نداء تونس، وكان برهان بسيس المكلف بالشؤون السياسية في نداء تونس قد أعلن مؤخرا نهاية "التوافق" مع حركة النهضة وتحولها من حليف إلى "خصم".
وما يلفت في هذه الأحداث هو تعمد البعض لتشويه الاحتجاحات بالخروج ليلا بقصد التخريب والسرقة وقد نجحت السلطات التونسية في القبض على بعض من تسببوا فيها. وهم لا علاقة لهم بالاحتجاجات المطالبة بالتشغيل والتنمية، فهم يتوزعون في شكل مجموعات ولديهم أدوار محددة يقومون بها!!!، مثل نهب البنوك والصرافات الآلية، وهذا الأسلوب يتكرر في العديد من المدن وبالتدقيق فيه نجد انه مرتب وهناك من يحاول ان يشعل البلاد في امور اخرى بعيدا عن المطالب المشروعة، خاصة وان تونس هي الدولة الوحيدة التي نجت من فوضى الثورات العربية واستفادات بوضع دستور توافقي. فقط تنتظر بعض الوقت لتحصد الثمار. وفي نفس السياق يقول أحمد الصديق رئيس كتلة الجبهة الشعبية اليسارية المساندة لمطالب المحتجين أن "أعمال النهب والسلب والتخريب تُغذيها وتقف وراءها لوبيات معينة يسعدها إنهيار الوضع بالبلاد.
قد تكون الاحتجاجات مشروعة وناتجة عن مطالب اكثر مشروعية وقد تستجيب الحكومات لتنفيذ هذه المطالب أو قد تعجز عن تلبيتها لمحدودية الموارد فتضع خططا مستقبلية لتنفيذها فقط علينا ان نتمسك بمشروعية هذه المطالب بالبعد عن التخريب والسرقة وعدم اعطاء الفرصة للمندسين لتشويه المطالب فهذا التشويه يحول مشروعية المطالب إلى اتهام بالتخريب يجبر رجال الأمن على التعامل بقسوة لحماية البلاد من فوضى لا تفيد بل تضر الجميع.

جودة مرسي من أسرة تحرير الوطن