[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
”إن من قرأ هذه الحركة ومخططاتها ومشروعها في فلسطين والمنطقة العربية, يخرج بالاستنتاجات التالية: أن الامتداد السرطاني لهذا المشروع لا يقتصر على فلسطين فقط, بل يمتد إلى مناطق عربية عديدة أخرى, ولذلك فإن هذه الدولة لم ترسم حدود دولتها (ولن ترسمها) رغم مضي سبعة عقود على إنشائها. إن العدوانية سمة أساسية من وجود هذه الدولة التي لا تراعي أية اتفاقيات توقعها, وتقوم بنقضها بشكل مستمر.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

استمعت لخطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في افتتاح المجلس المركزي في دورته الأخيرة. حقيقة فوجئت بحديثه المطول عن الحركة الصهيونية منذ عام 1965 وحتى هذه اللحظة, كما تطرقه إلى الشعارات التضليلية الصهيونية مثل "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض", كما حديثه عن أصل "اللا سامية" , فهو لأول مرة يتطرق إلى هذه القضايا المهم معرفتها لكل الفلسطينيين والعرب والعالم. ولأن كاتب هذه السطور سبق له وأن نشر بحثا مطولا عن هذا الموضوع, كما ضمنه أحد كتبه ,استمعت إلى الخطاب بانتباه. حري التذكير بأن الرئيس الفلسطيني حاز على درجة الدكتوراة إبان العهد السوفييتي حول أطروحة كتبها عن "الحركة الصهيونية", استعرضُ هذا الأمر في مفاصل عديدة, وأضمنه مقالتي هذه انطلاقا من الحقائق التالية: أن من يقرأ الصهيونية يخرج باستنتاجات كثيرة تتلخص فيما يلي: كذب الادعاء الصهيوني في وجود أية روابط روحية بين اليهود وفلسطين. أن الأخيرة كانت أحد الخيارات من بين 12 خيارا لدول كانت مرشحة لإقامة دولة اليهود فيها. أن الاستعمار بالتحالف مع الصهيونية في مؤتمر كامبل - بنرمان( الذي استمرت جلساته عامين على فترات متقطعة من عام 1905 – عام 1907) خطط لزراعة دولة غريبة في فلسطين لمنع توحيد الوطن العربي, دولة تكون صديقة للدول الاستعمارية ومعادية لسكان المنطقة. أن اليهود اختلقوا مفهوم "العداء للسامية" لتسهيل الهجرة إلى فلسطين.
لا نقول هذا جزافا, بل تأكيدا لحقائق وردت في مؤلفات كثيرة, فاللا سامية هي فكرة حديثة نسبيا. اخترعها اليهود الأوروبيون رسميا في القرن التاسع عشر (اخترع مفهومها الصهيوني ليو بنسكر في خمسينيات القرن التاسع عشر- محمد خليفة حسن في مؤلفه "اليهود وفكرة العداء للسامية", روجيه غارودي في كتابه "إسرائيل والصهيونية السياسية" وغيرهم كثيرون من المؤلفين). إن أول من كتب حول المفهوم (وفقا للمؤرخ برنارد لازار في كتابه المعنون بـ "اللاسامية. تاريخها وأسبابها" – صدر عام 1886 - الصحفي الألماني ولهلم ماد في كتابه المعنون بـ "انتصار اليهودية على الجرمانية" وكان ذلك في عام 1873). يخلص لازار في استعراضه للا سامية إلى نتيجة تقول:" إن خاصية المماحكة لدى الطوائف اليهودية أعطت ذرائع سهلة للعداء لليهود. لقد توارت تلك الطوائف خلف سياج.. اعتقد أفرادها أنهم مشربون بخاصية استثنائية .. اليهودي يفخر بامتياز توراته. حتى إنه يعتبر نفسه فوق وخارج بقية الشعوب ... لقد اعتبر اليهود أنفسهم "الشعب المختار" الذي يعلو على كل الشعوب. وتلك خاصية جميع الشعوب الشوفينية, وهم خلقوا هذا المفهوم لتحقيق أهداف يسعون إليها" (روجيه غارودي. قضية إسرائيل والصهيونية السياسية. دمشق.1984). يتقاطع مع هذا التفسير أيضا المؤرخ اليهودي آرثر كوسلر في كتابه القيّم "مملكة الخزر وميراثها. القبيلة الثالثة عشرة". هذا مع العلم أن مؤرخين عديدين كتبوا مؤكدين أن اليهود ليسوا ساميين, ولا يمتون إلى السامية بصلة لا من قريب أو بعيد(مؤرخون كثيرون تطول قائمتهم).
ما نقوله, إن من قرأ هذه الحركة ومخططاتها ومشروعها في فلسطين والمنطقة العربية, يخرج بالاستنتاجات التالية: أن الامتداد السرطاني لهذا المشروع لا يقتصر على فلسطين فقط, بل يمتد إلى مناطق عربية عديدة أخرى, ولذلك فإن هذه الدولة لم ترسم حدود دولتها (ولن ترسمها) رغم مضي سبعة عقود على إنشائها. إن العدوانية سمة أساسية من وجود هذه الدولة التي لا تراعي أية اتفاقيات توقعها, وتقوم بنقضها بشكل مستمر. هذه الدولة لا يؤمَن لها, فخطرها باقٍ ما دامت موجودة, تماما كأية خلايا سرطانية متواجدة في مطلق جسم إنسان. إن هذه الدولة تريد ليس استسلام الفلسطينيين فحسب بل استسلام العرب جميعا لمخططاتها التدميرية للوطن العربي. إن هذه الدولة لا تؤمن بأية مفاوضات مع أعدائها, بل تستغل المفاوضات لممارسة زيادة تغولها في مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية, والعربية إن استطاعت. إن هذه الدولة لا تمتلك أية شرعية للوجود, فهي قامت على الاغتصاب واقتلاع أصحاب الأرض وإحلال المهاجرين اليهود محلهم. إن هذه الدولة سبقت هولاكو والفاشية والنازية في وحشيتها وجرائمها, ومذابحها, لذلك فوجودها هو اعتداء على الإنسانية. لقد لعبت الدول الاستعمارية دورا رئيسيا في إنشائها القسري, ولا يمكن للولايات المتحدة إلا أن تكون ناطقا رسميا باسمها, وببغاء يردد مشاريعها التصفوية لقضية فلسطين سابقا وحاليا ولاحقا. إن هذه الدولة هي تمثيل حقيقي للعقلية الشايلوكية المتغولة والمتعطشة للدماء البشرية. إن هذه الدولة لا ينفع التعامل معها إلا بلغة المقاومة المسلحة أولا وثانيا وعاشرا. هذه الدولة حتما إلى زوال. هذه الاستنتاجات يدركها كل من يقرأ حقيقة الصهيونية وتمثيلها الكياني.
على هذا الأساس, فإن قرارات المجلس المركزي لا ترتقي إلى مستوى المجابهة المطلوبة أمام التحديات ومخاطر التصفية, التي تتعرض لها القضية الوطنية الفلسطينية. كما أن العودة إلى السياسة المهادنة في صوغ غالبية المواقف التي تتطلب وضوحا في الرد على الواقع القائم وما نشأ عنه من تطوراتٍ سلبية, إنما تعني الاستمرار في مربع المراوحة والانتظار, واستمرار الرهان على جهودٍ إقليمية ودولية بإعادة إحياء المفاوضات, والمراهنة على الإدارة الاميركية "إن تراجعت عن قرارها بخصوص القدس".إن الواقع والمخاطر تتطلب مواقف واضحة وحاسمة من سحبٍ للاعتراف بـدولة الكيان الصهيوني وليس "تعليق العلاقة معها", وتتطلب مغادرة نهج أوسلو وإلغاء الاتفاقيات والالتزامات التي ترتبت عليها, بدلاً من الصيغة الفضفاضة "بأن الفترة الانتقالية لم تعد قائمة". كما تطلب إلغاء الإجراءات كافة ضد قطاع غزة, وسحب الاعتراف بالبطريرك اليوناني ثيوفليوس, وغيرها من القرارات الواضحة بما في ذلك الموقف من المبادرة العربية التي يعتبرها البعض مبررا وجسرا لتطبيعه رسميا وعلنا مع الكيان الصهيوني. كذلك, فإن رفض الاقتراحات التي تقدمت بها فصائل كثيرة لعقد اجتماعٍ عاجل للجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني, ودعوة لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية للانعقاد, تكتسب أهمية كبيرة في هذه المرحلة الحساسة ذلك للتقدم في ملف المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية التي لا تحتمل التأجيل. لذلك كان متوقعا أن تمتنع أربعة فصائل فلسطينية عن التصويت على قرارات المجلس المركزي.