وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تُعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا، فأي قلب أُشربه نكتت فيه نُكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مربادًا كالكوز مجخيًا(أي مقلوباً)، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشرب من هواه، وقلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض".
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتةٌ سوداء في قلبه فإن تاب ورجع واستعتب (أي ندم ) صُقل قلبه وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي قال تعالى: { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}" رواه الترمذي والنسائي.
القلب من حيث كونه وعاءً قلبان، وهذان القلبان لا يجتمعان معاً أبداً في جوف إنسان، يقول الله تعالى: { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} سورة الأحزاب الآية"4".
نعم القلب قلبان؛ قلب سليم وقلب سقيم، قلب معافى وقلب عليل، قلب صحيح وقلب مريض، قلب صالح وقلب فاسد، قلب متسع وقلب ضيق، قلب مشرق وقلب مظلم، قلب متوهج وقلب معتم، قلب أبيض وقلب أسود، قلب حي وقلب ميت، قلب محب وقلب مبغض.
إن القلوب تمرض كما تمرض الأبدان، يقول الله تعالى: { في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} سورة البقرة الآية"10"، ويقول تعالى: { أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم} سورة محمد الآية"29"، والأضغان جمع ضِغْن، وهي الأحقاد الشديدة.
بيد أن أمراض القلوب أعظم خطراً، وأكثر ضرراً، وأشد ألماً على الإنسان من أمراض الأبدان؛ لأن أمراض الأبدان تصيب الجسد، وإن استمرت فهي تنتهي بالموت، فالمعاناة منها تكون في الدنيا، فهي معاناة منتهية، أما أمراض القلوب فإنها تصيب الروح والبدن، والمعاناة منها تكون في الدنيا والآخرة، فهي معاناة غير منتهية وإن طالت، هي حرقةٌ، وهمٌ، وغمٌ في الدنيا، وعذابٌ أليمٌ أبديٌ في العقبى.
يقول سماحة الشيخ العلامة أحمد الخليلي في معرض تفسيره لقول الله تعالى: { في قلوبهم مرض} " فالأمراض الجسدية مؤدية إلى هلاك الجسد، وفوات المنفعة العاجلة، وهذا المرض النفسي مؤد إلى هلاك الروح، وفوات المنفعة الآجلة، والبون بينهما كالبون بين قيمة الجسد والروح، وقدر الحياتين العاجلة والآجلة" المصدر: الخليلي: جواهر التفسير ج2 ص292.
ويقول سماحته أيضاً: " وإذا كانت للجسم وظائف لا يتوقف عنها إلا بإلمام المرض الجسدي به، فإن توقف العقل ( قصده القلب، انظر: جواهر التفسير ج2 ص256 ) عن وظيفته التي هي اكتناه الحقائق، واكتشاف الأسرار من وراء المشاهدات لا ينتج إلا عن إلمام مرض خطير به، وهذا النوع من المرض لا يفقد العقل ( قصده القلب) وظيفته فحسب، بل يجعل وظائف الحواس في حكم المعدوم أيضاً لعدم الانتفاع بها"" المصدر السابق: الخليلي: ج2 ص293.
أمراض القلوب ثقيلة لاسعة مؤلمة، أمراض القلوب كالنار مشتعلة تأكل نفسها، أمراض القلوب حارقة حالقة، لا أقول: حالقة الشعر، وحارقة البدن، ولكن حالقة الدين، وحارقة الروح.
وللحديث بقية.